ديمقراطية الطائرة المخطوفة

[ملخّص من مقال منشور في مجلة الدعوة – العدد 47- آذار 1996م.]

هناك أوضاع لا يُسمع فيها رأي لضعيف، ويقضى فيها الأمر حين تغيب تَيْم، ولا يُستأمرون وهم شهود، يساق الناس فيها بالأحكام العرفية، والمراسم الاستثنائية، يخضعون لسلطة مطلقة، ويُسبغ فيها على الحاكم الألقاب الفخمة، كالزعيم الأوحد، وقائد المسيرة، فهو صاحب العلم الشامل، والرأي السديد، والقول الفصل، والحكم العدل. إذا أخذ الأموال فهي حلال زُلال، وإذا سَجَنَ أو شرّد أو قتل، فبالروح نفديه، وله نهتف ونصفّق.

يروى أن جماعة من اللصوص اقتحموا حافلة واستولوا على أموال الركاب، ثم قرروا عقد محاكمة لمن أراد مقاومتهم، فأصدروا أحكاماً بجلد بعضهم وتعذيب آخرين وبراءة الباقين. فماذا كان موقف "الأبرياء"؟. لقد هتفوا: يحيا العدل.

لقد دفع أصحاب النخوة ثمن مواقفهم الشريفة، ثم تلقوا العذاب من المجرمين، واللوم من المتقاعسين.

كنا نحلم بالسعادة إذا تحررت بلادنا من الاستعمار، ولكننا شعرنا وكأننا ركاب طائرة مخطوفة، وبينما هم في طمأنينتهم إذ بقائد الطائرة يعلن أن الطائرة مخطوفة، وإذ بمجموعة الخاطفين مدججين بالسلاح... فانهارت معنويات الركاب، وصارت النسوة يجهشن بالبكاء، والأطفال بالصراخ، والخاطفون يأمرون الناس بالصمت وإلّا!!. ثم أُعلن مقتل قائد الطائرة لعصيانه الأوامر. واختلف الخاطفون: مَن سيقود الطائرة؟ وبعضهم يريد أن يحتفظ برهائن أو يطلب فدية.

وبدأت التعليمات تصدر: لا يجوز الكلام ولا الهمس، لا تجوز الحركة إلا بإذن، اربطوا الأحزمة على البطون فالطعام والماء شحيحان. أعلنوا تكاتفكم مع الخاطفين وأيّدوا مطالبهم، أنتم مدعوون لانتخاب قائد دستوري وبرلمان حر لإدارة أمور الطائرة...

وانبرى المثقفون يمدحون القائد الفذ، صاحب الديمقراطية، والمبشّر بمستقبل زاهر... وعلت الهتافات بحياته.

وقام زعيم الخاطفين بترشيح نفسه ليكون رجل المرحلة وقائد المسيرة.

وسوم: العدد 795