دول غربية كبرى يحاسب القانون فيها كبار مسؤوليها حين يرتكب من تحت مسؤوليتهم أخطاء

دول غربية كبرى يحاسب القانون فيها كبار مسؤوليها حين يرتكب من تحت مسؤوليتهم أخطاء لكنها تخرق هذه القاعدة من أجل مصالحها المادية

مما تفخر به الدول الغربية الكبرى على غيرها من الدول الصغرى سيادة القانون فيها، والذي يخضع له كل من فيها بمن فيهم كبار المسؤولين زعماء وقادة ورؤساء ووزراء  . وكثيرا ما تكشف وسائل الإعلام الغربية النقاب عن فضائح  أو أخطاء يتورط فيها هؤلاء  الكبار ، ويتم توقيفهم واستنطاقهم ، ومحاكمتهم وسجنهم فضلا عن إقالتهم وإعفائهم من مناصبهم ومهامهم ، وفرض العقوبات المالية عليهم .

وهذا مما يحلم به مواطنو الدول الصغرى خصوصا في مجتمعاتنا العربية التي يعاقب فيها صغار المسؤولين عن أخطائهم وفضائحهم  دون كبارهم وإن تلقوا من هؤلاء  الأوامر باقتراف ما اقترفوا  .

ومن الفضائح المدوية بالنسبة للدول الغربية خصوصا الولايات المتحدة أنها تنكرت لسيادة القانون بالنسبة لقضية اغتيال النظام السعودي الصحفي خاشقجي بطريقة وحشية وهمجية وبربرية بكل المعايير  داخل القنصلية السعودية في تركيا ، وحاولت إنقاذ كبار المسؤولين  وصناع القرار السعوديين من المسؤولية  عن هذه الجريمة النكراء التي استهجنها المجتمع الدولي قاطبة بشدة ، علما بأن الذين ارتكبوها إنما يعملون بأمر من أصحاب القرار ، ولا يمكن أن يصدق أحد بأنهم يتصرفون بخلاف ما يعطى لهم من توجيهات خصوصا في بلد كالسعودية الذي عرف انتكاسة سياسيا وحقوقية  كبرى منذ تولي ولاية العهد الأمير الحالي محمد بن سلمان، والذي يعتبر الآمر الناهي  في البلاد كما تدل على ذلك مؤشرات لا يمكن التغاضي عنها .

وكان من المفروض أن تسارع الدول الغربية الكبرى إلى اتهام المسؤول  السعودي الأول الذي تصدر عنه كل الأوامر بما فيها أوامر الاعتقال والتصفية ، عن قتل الصحفي  خاشقجي بطريقة وحشية حسب تسريبات التحقيقات التركية  التي تسرب إلى كبريات الصحف الغربية وتحديدا الأمريكية، ولكنها لم تفعل وظلت تتلكأ في ذلك لأنها تضع مصالحها المادية فوق حياة هذا الصحفي ابائس الذي يعارض النظام السعودي وهو بذلك يمارس حقه في حرية التعبير بأسلوب حضاري ككل الصحفيين  في العالم .وبهذا الموقف  تنهار منظومة القيم التي تتبجح بها  تلك الدول ، وفي ذلك تكريس  لسيادة قانون جائر كانت الأمم الغابرة تتعامل به ، وهو معاقبة الضعيف إذا أذنب  وعدم محاسبة  القوي  عن الذنب كما أخبر بذلك رسول الإسلام عليه الصلاة والسلام في الحديث الشريف الذي روته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها والذي قال فيه  : " إنما أهلك الذين كانوا قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها " .

وإن الدول الغربية  الكبرى والعظمى التي تفخر بأنها تطبق ما ينص عليه هذا الحديث مع الأقوياء تحاول اليوم  التغاضي عن أقوياء السعودية ، وتبرئتهم من دم الصحفي المغتال وتحميل المسؤولية عن ذلك لأجهزة تنفيذية لا تملك صناعة القرار ،ولا تعصي أوامر صناعه، وتفعل ما تؤمر به .

والتحدي المطروح أمام النظام السعودي والإدارة الأمريكية تحديدا هو تسليم المتورطين لطرف محايد لاستنطاقهم من أجل الوصول إلى حقيقة من أعطى الأمر بإزهاق روح الصحفي المغتال . ومن المؤكد أنهم  في حال ضمان حمايتهم خارج التراب السعودي سيدلون  بكل صراحة بإفاداتهم دون خوف من انتقام حكامهم .

وعلى الدول الغربية الكبرى إن هي أعفت صناع القرار في السعودية من مسؤولية تصفية الصحفي المغتال من أجل الحفاظ على مصالحها المادية أن تكف عن المسرحيات الهزلية التي تسوق لنا من خلالها  مساءلة ومحاسبة ومقاضاة كبار المسؤولين فيها حين يرتكب من تحت مسؤوليتهم أخطاء ، لأنه لن يبقى مع هذا الموقف المتخاذل معنى لتسويق تلك المسرحيات الهزلية  والتبجح بها أمام شعوب الأمم الضعيفة  .

ولقد باتت الآن مصداقية الدول الغربية الكبرى تواجه امتحانا عسيرا أمام شعوب العالم ، وهي بين خيارين لا ثالث لهما، إما التضحية بحكام السعودية أو التضحية بمصالحها المادية . والمستقبل القريب سيكشف حتما عما نتيجة هذا الامتحان العسير الذي توضع فيه روح الصحفي التي أزهقت في كفة  والذي يعتبر قتله بمثابة قتل الناس جميعا  في شريعة الإسلام ، ومئات المليارات السعودية في كفة أخرى. فإذا  ما رجحت كفة روح الصحفي المغتال على كفة المليارات ستكون القيم  بخير في هذا العالم ، وإذا ما حدث العكس فسلام على تلك القيم.

وسوم: العدد 795