مناورة أمريكية جديدة لاصطياد عباس وفريقه!

حسن عصفور

منذ أسابيع والإدارة الأمريكية تخوض معركة "إعلامية" أسمتها، ضرورة اعتراف الطرف الفلسطيني بـ "يهودية دولة (إسرائيل)"، حتى وصل الأمر وكأنه أصبح "شرطاً لا بد منه"، وتفاعلت الأطراف المختلفة، ومنها الجامعة العربية والقيادة الفلسطينية مع هذا الطرح بردٍ رافض حاسم وقاطع.. أمريكا، وبعض من "أذنابها" فتحوا تلك "المعركة" وتصعيدها إلى درجة تبدو وكأنها باتت هي "المفتاح السحري"، بل "والكلمة الذهبية" التي تقود إلى "حل أو لا حل" لهدف غير الهدف المعلن..

ولعلَّها نجحت جزئياً في تلك المناورة الجديدة، وشغلت الرأي العام العربي والفلسطيني بها، كي تصل إلى ما تريده فعلاً للمستقبل التفاوضي، وقد كشف الوزير الأمريكي (جون كيري) عن بعض من ملامح "المناورة الجديدة" والتي تستبق وصول الرئيس محمود عباس إلى واشنطن، للقاء الرئيس الأمريكي (باراك اوباما)، فخلال عرض أمام لجنة فرعية للكونغرس تحدث (كيري) عن المفاوضات ناشراً "التشاؤم" الذي يُحيط بها ومستقبلها، لكنه أماط اللثام عن الأهم القادم، عندما تناول قضية "الدولة اليهودية"، فقد عاد للزج باسم الرئيس ياسر عرفات بها بلا وجه حق، واسترجع قرار التقسيم رقم 181، وأظهر أنه تلميذ نجيب في علم "الرياضيات" عندما قال أن القرار قد ذكر "الدولة اليهودية" 44 مرة، ولكنه أظهر غباوة مقصودة، عندما تناسى نصوص القرار الأخرى، التي ارتبطت بتلك التسمية، لكنه أراد القول أن (إسرائيل) ليست بحاجة لاعتراف بها كـ "دولة يهودية" من الفلسطينين، فهي كذلك لذا لا حاجة لوضعه كشرط مسبق..!!

وقد يبدو أن التخلي الأمريكي عن شـرط "يهودية (إسـرائيل)" جاء "انتصاراً" للموقف الفلسـطيني الرافض لتلك المطالبـة، وكي لا يبدأ فريق التفاوض ـــــ المرتعـش أصلاً ـــــ بنشـوة "نصر وهمي" وتسـويقـه باعتباره هزيمـة للحكومـة الإسـرائيليـة، نُسـارع القول أن ذلك ليـس سـوى خدعـة مكشـوفـة جداً، ولن تمر على شـعبٍ كشـعب فلسـطين، لأن المسـألـة المركزيـة التي تريدها واشـنطن في المرحلـة القادمـة، هي تمديد المفاوضات لا أكثر ولا أقل، وأمريكا تعلم يقيناً أنـه لا يوجد فلسـطيني مهما كان "خادماً لها" ونذلاً إلى حد السـفالـة السـياسـيـة، وهو في موقع المسـؤولية يُمكنـه أن يقبل علانيـة بـ "يهوديـة دولـة (إسـرائيل)"، لذا أرادت اسـتخدام الشـعار كوسـيلـة خداع من أجل الالتفاف على هدفها الحقيقي بتمديد زمن المفاوضات لشـهورٍ أخرى...!!!

المساومة التي تحاول واشنطن ابرازها ليس سوى "مناورة"، تعتقد أنها ستُحقق رغبتها وتفرض تمديداً جديداً، ولكنها تُدرك أيضاً أن التخلي عن ذلك "الشرط الوهمي" ليس كافياً لتمرير هدفها الحقيقي، لذا فهي ستعمل على أن تحصل من الرئيس عباس خلال رحلته القادمة على "مبدأ تمديد المفاوضات"، مقابل أن تحصل له على بعض من "مكاسب" تحفظ ماء وجهه أمام الشعب الفلسطيني، خاصة وهو يواجه رفضاً عاماً من غالبية الشعب وقواه السياسية ضد المفاوضات اللا وطنية الجارية فما بالك بتمديدها، فإن وافق عباس على ذلك، ولو بشكل غير علني، كما حدث في صفقة العودة التفاوضية التي كشفها (كيري) لاحقاً، فأنها تعده بالعمل على أن تقوم حكومة (نتنياهو) بتجميد "استيطاني" في مناطق لا صلة لها بالنشاط الاستيطاني الحقيقي، وستُضيف لها "الرزمة الدائمة" بمساعدات مالية، ومزيداً من التصاريح للشخصيات المهمة ورجال الاعمال وامتيازات  لمدينة "روابي"، وقد تُضيف لها دراسة نقل بعض الصلاحيات من جيش الاحتلال إلى الأمن الفلسطيني في بعض المناطق، وقد لا يخلو الأمر من "دفعة جديدة" لاطلاق سراح أسرى، أو تسليم رُفات شهداء "الأرقام.."

"رزمة مكاسب" وهمية تُتيح للرئيس عباس أن يبدو وكأنه خرج "منتصراً" ويُعلن قبوله منح فرصة إضافية جديدة للرئيس الأمريكي من أجل الاستمرار في المفاوضات، تلك هي المناورة الفعلية لما تريده واشنطن، والسؤال: هل سيقبل الرئيس عباس بأن يسير في ركاب تلك المناورة، ويسمح لواشنطن بمزيد من الوقت لتمرير المشروع التهويدي الاستيطاني، مع ما يُهدد القدس ومقدساتها من مخطط تقسيمي لم يعُد مشروعاً نظرياً، بل أصبح واقعاً ملموساً لكل فلسطيني، سوى تلك الفئة التي تتجاهله كلياً حتى في خطاباتها وتصريحاتها ـــــ كان غريباً أن لا يمر الرئيس عباس في خطابه " الفضيحة" على خطر مخطط دولة الكيان لتقسيم الحرم القدسي الشريف ـــــ ... وإطالة أمد المفاوضات يعني أيضاً، وقف الهجوم السياسي الفلسطيني دولياً، وحرمان دولة فلسطين من مكاسب سياسية استراتيجية، وتأجيل الانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية وملاحقة مجرمي الحرب في دولة الكيان..

باختصار تمديد المفاوضات هو منح (إسرائيل) رخصة إضافية لتنفيذ مخططها التصفوي، وخسارة مضاعفة للشعب الفلسطيني.. والتحدي الحقيقي سيكون هل حقاً سيلتزم الرئيس عباس بعهده للشعب الفلسطيني أنه لن يُمدد المفاوضات ساعة واحدة.. تلك هي نقطة الفصل في قادم الأيام بين "الوطنية" و"الخيانة".. سننتظر ونرى ما سيكون في قادم الأيام!