أطفال سورية: بين أَلَمِ الواقع، و مخاطر المستقبل

أطفال سورية:

بين أَلَمِ الواقع، و مخاطر المستقبل

محمد عبد الرازق

إذا كان الواقع الذي يعيشه أطفال سورية مُؤلمًا، فإنّ المخاطر التي تترقبهم أشدّ إيلامًا، و علينا أن نفكر فيهم قبل غيرهم ؛ و ذلك لسببين اثنين:

ـ الأول: أنهم الأكثر تضررًا على مستوى اللحظة الراهنة بسبب تعرضهم للقتل، و اليتم، و التجنيد، والعمل في سن مبكرة بسبب صعوبة الظروف المعيشية للأهل، وفقدانهم لحقهم في التعليم والرعاية الصحية الأولية.

 ـ الثاني: أن مستقبل سورية سيكون في مهب الريح؛ لأنهم هم من سيلقى عليهم مهمة إعادة البناء، و الإعمار بعد انتهاء الأزمة.

قد نلتفت في اللحظة الراهنة إلى عظم المأساة التي يلاقيها عموم المجتمع، ممثلة في تزايد أعداد القتلى، و النقص الكبير في المأوى و المأكل، و لكن علينا أن نلتفت إلى مستقبل ملايين الأطفال الذين حرموا لأعوام من الذهاب للمدارس، وتعرض عشرات الآلاف منهم للإصابات الجسدية والنفسية البليغة.

 و هذا هو الخطر الحقيقي الذي يحدق بمستقبل سورية، و هو أشد، و أنكى على المستوى البعيد المدى من المخاطر الأخرى التي نعايشها في كل صباح.

 في تقريرها الأخير الذي جاء تحت عنوان ( الحصار، الأثر المدمّر للأطفال ) لامست منظمة اليونيسيف واقع هؤلاء الأطفال، و الآثار المترتبة من جراء ذلك حينما قالت: ( إن الملايين منهم مهددون بأن يكونوا جيلاً ضائعًا ).

و للتدليل على صحة هواجسها حيال هذه المأساة ذكرت في تقريرها الأرقام الآتية:

- أثرت الأزمة على نحو خمسة ملايين و نصف مليون طفل سوري، منهم ثلاثة ملايين نازح داخل البلاد، و مليون و ثلاثمئة ألف لاجئ في دول الجوار.

- زاد عدد الأطفال السوريين الذين أثرت عليهم الحرب إلى ما يقرب من الضعفين في العام الأخير.

- مقتل ما لا يقلّ عن عشرة آلاف طفل، مع التأكيد على أن العدد الحقيقي ربما يكون أكثر من ذلك.

- لقد كان معدل الإصابات بين الأطفال في سورية الأعلى في أي صراع وقع بالمنطقة في الآونة الأخيرة.

- إن ما يقرب من ثلاثة ملايين طفل في الداخل والدول المجاورة غير قادرين على الذهاب إلى المدارس بانتظام، وهذا الرقم يشكّل نحو نصف سكان سورية ممن هم في سنّ الدراسة.

- إن ما يقدر بمليون طفل محاصرين، أو في مناطق يصعب الوصول إليها، وإن أضعافهم مهددون بأن يكونوا جيلاً ضائعاً.

هناك تقديرات تشير إلى أن عددهم وصل إلى ( 90.000 يتيم خلال السنوات الثلاث الماضية)، الأمر الذي يعني الكثير إذا تُرك على عواهنه دون انتباه لمخاطره المستقبلية؛ و لاسيما لمن هم يتامى، حيث يعيش هؤلاء بلا رعاية، أو كفالة، أو معيل، مع احتمال تعرضهم بسبب ذلك للانحراف بسبب عوامل عدة تتمثل في تفشي جملة من الظاهر، منها: الجهل، والعمالة المبكرة، وانتشار الفراغ المقلق بسبب انعدام فرص التعليم، و كثرة الإعاقات  الجسدية  بسبب الإصابات التي تلحق بالمدنيين، و شيوع الأمراض النفسية مع ما يصاحبها من إفرازات كالإحباط، والخوف، والعقد، و العدوانية.

إن الأمر يحتاج إلى يقظة، وخطط إستراتيجية عاجلة تأخذ بعين الاعتبار توفير ما يأتي:

- مشاريع لكفالة ورعاية الأيتام، وفتح دور رعاية لهم في دول اللجوء، و لاسيما في لبنان حيث يوجد منهم (3500 يتيم ) لا يعرف مصير ذويهم، و هناك تقديرات أخرى تشير إلى أنهم بحدود ( 7000 يتيم )، و لعلّ أخطر ما يتهدّد هؤلاء هو مساعي حزب الله لتشييعهم.

- مشاريع لكفالة طلاب العلم منهم، تضمن توفير مقعد للدراسة، واحتياجات أخرى كالحقيبة، و الكتب، و القرطاسية، وبناء وترميم المدارس وتوفير تجهيزاتها، و لاسيما في الداخل السوري، وكفالة المعلمين وتوفير المناهج، وتحييد المدارس عن ساحات المواجهة والقتال.

- مشاريع صحية لتوفير الرعاية الصحية للأطفال وأمصال التلقيح، وتركيب الأطراف الصناعية.

- مشاريع للدعم النفسي، لتخليص الأطفال من الضغوط النفسية وما لحقهم بسبب الحرب.

- فرص تنمية القدرات والمهارات والتدريب، والتدريب المهني.

إن أطفال، وناشئة سورية هم مستقبلها؛ و واجب علينا تجاههم أن يحظوا بالأولوية فيما سيوضع من خطط و مشاريع تنموية، من قبل المؤسسات الحكومية، و منظمات المجتمع المدني.