درس العملية الإسرائيلية شرقي خانيونس
فاجأت العملية الإسرائيلية التي قامت بها وحدة خاصة من لواء جولاني ، شرقي خانيونس ، كثيرين لوقوعها في جو يوحي بتهدئة بين المقاومة الفلسطينية وإسرائيل . أسفرت العملية عن استشهاد 7 فلسطينيين بينهم القائد القسامي نور بركة ، وجرح 7 آخرين ، وقتل ضابط إسرائيلي ، وجرح آخر جراحا خطيرة . وتتكاثر الأسئلة حول الهدف الحقيقي للعملية ، وترى بعض الآراء أنها ربما استهدفت زرع أجهزة تجسس ، أو أنها استهدفت بدء التهدئة بعملية تؤكد قدرة إسرائيل على الردع ، وطمأنة مستوطني غلاف غزة القلقين الفزعين . أيا كان الهدف الحقيقي للعملية يهمنا أن نستخلص الدرس منها ، وهو درس ليس جديدا في جوهره إلا أن خروج ما يتم في الساحة الفلسطينية والساحة العربية عن الفطري والمألوف في سلوك البشر ، وحتى عن سلوك الكائنات الأخرى ؛ هو ما يحرض على استخلاص درس العملية الإسرائيلية شرقي خانيونس ، الساعة التاسعة مساء الأحد ، وإعادة التأكيد عليه رغم بديهيته وبساطته . صفوة هذا الدرس أن من لا سلاح له لا حياة له ، وأن العالم مهما تطور وتنور ، ووضع قوانين تظهر عادلة وحامية للضعفاء ، صائنة لحقوقهم ؛ يظل غابة متوحشة يلتهم أقوياؤها ضعفاءها .ومن هذه الزاوية ، يَعظُم الخطأ الذي اقترفته منظمة التحرير الفلسطينية حين تعهدت في اتفاق أوسلو بالاعتماد على التفاوض وحده للوصول إلى تسوية نهائية مع إسرائيل ، وضمن هذا التعهد التزمت بإخلاء الضفة وغزة من أي سلاح سوى ما سمى السلاح الشرعي ، أي الذي في حوزة أجهزة السلطة الأمنية ، وهو سلاح لا يصلح للمقاومة ولا يريدها . وفي الأسابيع الأولى من دخول السلطة إلى غزة وأريحا ، بدأت تجمع السلاح الذي كان قليلا في يد بعض المواطنين . حدث هذا في صراع بقاء لم يحسم مع عدو يؤمن أن الحياة سلاح وقوة عسكرية ، عدو غازٍ اختلق وجوده في الوطن الفلسطيني بقوة السلاح ، وواصل وجوده بهذه القوة . كان خطأ منظمة التحرير مخيفا ، وتداركت المقاومة في غزة بعض مصائبه القاتلة ، فشرعت تتسلح رغم مقاومة السلطة لتسلحها ، وأجبرت إسرائيل في النهاية على الانسحاب من غزة في 12 سبتمبر 2005 . وما أخفقت فيه السلطة في غزة نجحت فيه في الضفة لأسباب معروفة . ورغم العمليات البطولية الكثيرة لتي نفذتها المقاومة في الضفة وفي الداخل الفلسطيني المحتل ، وما زالت تنفذها ، وآخرها عملية أشرف نعالوة ؛ فإنها لم تنجز في الضفة ما أنجز في غزة لتباين ظروف المكانين خاصة في الناحية السياسية والأمنية . ولم يخفف من مساوىء هذا التباين الصعبة والمعقدة ما ارتقت إليه عمليات المقاومة في الضفة من مستويات بطولية فذة يجهلها كثيرون . وقد توفر لي الاطلاع على تفاصيل بعضها حين حررت لغويا بتكليف من مؤسسة فلسطينية أكثر من 1500 صفحة تتناول عمليات المقاومة في الضفة وما حوت من بطولات لا أبالغ إن قلت إنها نادرة الأشباه على مستوى العالم . ثقل التواجد الإسرائيلي في الضفة ، والتنسيق الأمني مع السلطة منعا انتصار المقاومة فيها على عظمة بطولاتها وشدة بأسها ، فاتسع الاستيطان ، واطمأن المستوطنون ، وصارت مدن الضفة وقراها مفتوحة مباحة أمامهم وأمام الجيش الإسرائيلي ، يقتل ويعتقل ، ويعطل حرية حركة أهلها على الطرق ، ويمنع مع المستوطنين المزارعين من زراعة أرضهم وقطف ثمارها . وفي كل حديث عن المصالحة تشترط السلطة أن تفعل في غزة ما تفعله في الضفة : نزع سلاح المقاومة ، هذا الهدف الإسرائيلي الذي أصرت عليه إسرائيل عند كل تهدئة بعد الحروب الثلاث في غزة ، وفشلت فيه . العملية الإسرائيلية الأخيرة الفاشلة شرقي خانيونس أكدت المؤكد : لا حياة لمن لا سلاح له . ولولا سلاح المقاومة في غزة لتواصل عدوان إسرائيل برا وجوا عليها ، ولرأينا ما لا ينتهي من عملياتها البرية لخطف من تشاء من رجال المقاومة أو قتلهم ، ولصارت دباباتها تدخل غزة وتخرج منها متى تشاء لأتفه الأسباب ، وفعلا هذا ما حدث بعد انسحابها حين لم تكن المقاومة بقوتها وتنظيمها الحاليين . وفي العملية الأخيرة ، ورغم استشهاد 7 من رجال المقاومة وجرح 7 ، ورغم كثافة محاولات إنقاذ القوة الإسرائيلية بالمروحيات وطائرات إف 16 وطائرات الاستطلاع وبالمدفعية من الحدود ؛ قتل القسام ضابطا وجرح آخر ، وانتشر في إسرائيل الحديث عن فشل العملية ، وسادها شعور الصدمة والخيبة الذي حاولت بعض القيادات العسكرية فيها التخفيف منه حفظا لمعنويات الإسرائيليين ، فتحدثت تلك القيادات عن نجاح عمليات استخبارية كثيرة في غزة قبل هذه العملية الفاشلة . ويظل درس هذه العملية قائما ملحا : من لا سلاح له لا حياة له ، وجريمة كبرى أن ينزع سلاح الشعب الفلسطيني في صراع البقاء مع عدو من صنف إسرائيل يرى الحياة سلاحا وقوة ، وقام ودام بالسلاح والقوة .
وسوم: العدد 798