مَن عجزَ عن أن يَصنع نفسَه كما يريد، فهو عن صنع غيره أعجَز!

لا أحدَ يستطيع صنعَ العالم ، كما يريد ؛ فهذا أمر خاصّ بالله ، وحدَه !

ولا أحدَ يستطيع صنع البشر، كما يريد ؛ فهذا من أمر الله ، وحدَه !

ولا أحد يستطيع صنع شعبه ، كما يريد ؛ فهذا أمرٌ أعجزَ، الحكّام ، بأنواعهم : المستبدّين والديموقراطيين .. وأعجز المؤمنين والملحدين .. وأعجز المصلحين ، جميعاً ؛ بل أعجز المؤسّسات : التربوية ، والثقافية ، والعلمية .. في سائر الدول، المتحضّرة منها ، والمتخلفة، وعلى مرّ العصور ، وأعجزالفلاسفة الكبار، من يونانيين ، ومسلمين ، وغيرهم .. من أصحاب نظريات (المدن الفاضلة) ، مثل : أفلاطون ، والفارابي .. وغيرهما !

ولا أحدَ يستطيع ، أن يصنع ، أبناء مدينته ، أو قبيلته ، أو حيّه ، أو طلاّب مدرسته .. كما يريد !

بل ، لا أحد يستطيع ، أن يصنع أسرته : من زوج ، وأبناء .. كما يريد ! 

بل لا أحد يستطيع ، أن يصنع نفسه ، كما يريد !

  والمقصود بالصناعة – بالطبع - هو الصناعة المعنوية ، على مستوى : المدارك ، والأخلاق ، والطباع ، والمؤهّلات العقلية والنفسية ، للفرد !

أمّا الصناعة المادّية ، للجسد ، وما يتعلق به ، من صفات ، من حيث : البنية ، واللون ، وتكوين الدماغ ، وصفاته ، ونحو ذلك ، ممّا يتّصل بالجسد .. أمّا هذه الصناعة ، فلا علاقة لها ، بالحديث ! وهي ، تدخل فيها ، عناصر عدّة ، من أهمّها: المورّثات ، التي تنقل، للفرد، خصائص بدنية ، عن أبيه وأمّه ، ومَن ورّثهما الصفات ، من آباء وأجداد !

وحين ينصبّ الحديث، على المؤهّلات العقلية والنفسية، والطباع ، والأخلاق ، وعجْز البشر، عن صناعتها ، لدى الفرد .. فلابدّ ، من التفرقة ، ابتداءً ، بين إخضاع الفرد: أيْ ، جعله عبداً، أو شبيهاً بالآلة .. وبين صناعته ، من حيث : المدارك ، والمؤهّلات العقلية والنفسية!

فإخضاع الفرد ، بمعنى السيطرة التامّة ، على بدنه ، ممكن ، للكثير من الناس ، وظاهرة الاستعباد ، التي سادت ، قروناً ، في حياة البشر، تدلّ ، على هذه الإمكانية !

أمّا ماعدا ذلك ، من عناصر أساسية ، تَميز الإنسانَ ، من غيره ، من المخلوقات ، وتجعل منه إنساناً .. فتلك ليست من شأن البشر، ويعجز عنها ، حتّى الأنبياء !

ومعلومٌ ، أنّ نبيّ الله نوحاً ، لم يستطع جعل ابنه ، يركب في السفينة ، فغرق بالطوفان !

وامرأة نوح ، وامرأة لوط ، كانتا زوجين لنبيّين ، من أنبياء الله ، فخانتاهما !

وامرأة فرعون ، كانت مخالفة لمنهجه ، في الظلم والاستبداد ، وعجز، عن إخضاع أفكارها ومشاعرها ، لمنهجه ، في ظلم الناس ، واستعبادهم !

ورسول الله ، قال له ربّه ( فذكِّرْ إنّما أنت مذكِّرٌ لستَ عليهم بمسيطر) .. وقال له ( إنّك لا تهدي مَن أحببتَ ولكنّ الله يَهدي مَن يشاء) .

وتبقى عواملُ : التعليم ، والتربية ، والتثقيف ، والتوجيه .. هي التي يمكن ، أن تُسهم ، في تهذيب أخلاق البشر، وطباعهم ، وسلوكاتهم ! وهذه تحتاج ، إلى عناصر راقية ، فعّالة ، لدى مَن يمارس عمليات : التعليم ، والتهذيب ، والتربية ، والتثقيف ، والتوجيه ..!

وقد قال الله ، لنبيّه ( فَبِما رحمةٍ مِن الله لنتَ لهم ولو كنتَ فظّاً غليظَ القلب لانفضّوا مِن حَولك..).

كم من الرجال ، أراد أن يكون ابنه ، عالماً كبيراً ، أو أديباً عظيماً ، فلم يستطع ؛ لأنّ ابنَه غير مؤهّل ، لما أراد أبوه .. أو، لأنّ له رغبة ، غير رغبة أبيه ، وتوجّهاً غير التوجّه ، الذي أراده أبوه !

بل ؛ كم من الرجال ، مَن رغب في أن يكون ، هو، في مستوى رفيع ، من العلم ، فعجز..أوأراد، أن يكون عظيماً ، في طباعه وأخلاقه ، فلم يستطع !

فإذا عجز المرء ، عن أن يصنع نفسه ، هو، كما يريد ، أو أن يكون ، كما يرغب ؛ فهل يحقّ له ، أن يطالب الناس ، بأن يكونوا ، كما يحبّ ، أو كما يرغب !؟

وإزاء عجز المرء ، عن صنع نفسه ، كما يريد ، أو يرغب .. أفلا ينبغي عليه ، أن يفيد ، ممّا ورد ، في كتاب الله ، وسنة نبيّه ، من الحكمة .. وممّا ورد ، في أقوال الشعراء ، من حكم بليغة ، فيريح نفسه ، وغيره !؟

فالله ، عزّ وجلّ ، يقول : لايكلّف الله نفساً إلاّ وسعَها ..

ورسول الله ، يقول : اعمَلوا ؛ فكلٌّ ميسَّرٌ لِما خُلق له .

والشاعر الآخر، يقول :

وسوم: العدد 799