وسائل اتصال أم وسائل انفصام..
كان الإنسان في قديم الزمان يتواصل مع الآخرين بالكلام المباشر المصاحب بالنبرات وتقاطيع الوجه. ثم ارتقى إلى إشعال النار على قمم الجبال العالية ليخبر عن اقتراب عدو، أو حلول عيد، ثم اصطنع الحمام الزاجل لنقل الرسائل المكتوبة، ثم استعمل وسائط النقل المعروفة مثل الحافلات والسيارات والهواتف الأرضية.
أما الإنسان في يومنا هذا، فيستعمل الهاتف الخلوي والشبكة العنكبوتية بما تحويه من مواقع أسموها مواقع الاتصال الاجتماعي مثل الفيسبوك والتويتر والمسنجر حتى غدا العالم قرية صغيرة، ولكن هذه الأجهزة الخلوية سيطرت على الانسان، فهو يستعملها في البيت والمكتب والمدرسة والمتنزه. في كل مكان ترى الناس منهمكين في تصفح هذه الأجهزة بحيث يمكننا أن نقول إنهم أدمنوا على استعمالها، وقلما ترى مجموعة من الناس تتحدث عن موضوع مشترك. أنهم متواجدون في نفس الحيز المكاني ولكن كل واحد منهم منهمك في جهازه، بحيث فقدنا اللمة الأسرية في العائلة. تراهم جمعًا ولكن أذهانهم شتى ، لقد فقدنا العلاقات الاجتماعية في داخل الأسرة الواحدة. الكل يقضي وقته في تصفح الخلوي واليوتيوب والأفلام العنيفة التي يعرضها الهاتف النقال. فصار يمتعض ممن يحكي معه ويجيبه باقتضاب وتراه يصرخ فجأة عندما يرى منظرًا مخيفًا في الخلوي ويضحك عندما يرى ما يضحكه، وأنت لا تسمع ما يسمعه ولا ترى ما يراه فيخيل إليك أن مسًا من الجنون قد أصابه وأنه أصبح أبله(أهبل)..! لقد أدمن الناس على استعمال الهاتف النقال، وقل الكلام مع الآخرين، وقلت التجربة الذاتية، إنهم يعيشون في عالم افتراضي بعيد عن الواقع.! والأنكى من ذلك أن الآباء والأمهات صاروا يعطون الطفل الذي لم يتعد السنتين الهاتف الخلوي لإلهائه، فصار مدمنًا على مشاهدة مقاطع من اليوتيوب. وبما أن معظم هذه المقاطع والأفلام بالأنكليزية ، فإن الطفل العربي لم يتعلم لغته، وراح يتلفظ بكلمات أجنبية، وهذه المرحلة من أهم مراحل التكوين اللغوي للطفل. لقد فقد الأطفال عندنا لغة الأم وصاروا معدمين لغويًا. وأنا أتحدث عن أحفادي الذين يرددون كلمات انجليزية وإذا سألتهم عن شيء أعطوك اسمه بالانجليزية لا بالعربية. يبدو أننا ذاهبون إلى التصحر اللغوي والثقافي. لقد فقدوا لغتهم، ولم يتقنوا اللغة الاجنبية فصاروا معدومين لغويًا وثقافيًا. وبما أن العالم الافتراضي يوهم بسهولة الحصول على الأشياء، فإن الطفل ينشأ وهو يعتقد أن بإمكانه الحصول على كل شيء بدون بذل جهد أو تفكير، وهذا يتنافى مع الواقع المعيش.
وسوم: العدد 801