ما أسباب «موضة» الهجوم على صلاح الدين الأيوبي؟
في مثل هذا الوقت تقريبا قبل عام افتعل الروائي المصريّ يوسف زيدان معركة إعلاميّة موضوعها أحد أشهر رموز التاريخ الإسلامي: صلاح الدين الأيوبي. جرى ذلك في مقابلة له وحده على شاشة التلفزيون وهو ما يجعل الحيّز غير ديمقراطيّ ولا ثقافيّ، فبمواجهة الضيف توجد مقدّمة برامج ليست متخصصة في القضايا الثقافية والتاريخية، وبالتالي فالواضح أن المقصود كان افتعال فرقعة إعلامية تشبه الرعد الذي يعقبه مطر ولكن من الجدل العقيم والسباب والشتائم والشهرة الزائفة لشخص حيّ في مقابل رمز إسلاميّ كبير ولكنه لا يستطيع الدفاع عن نفسه.
شاهد الناس أو قرأوا قبل أيام مقابلة مشابهة كان بطلها هذه المرّة الممثل السوريّ المعروف عباس النوري في إذاعة محلّية سورية صغيرة تماثل في طريقتها ما فعله زيدان، الذي اعتبر صلاح الدين «أحقر شخصية في تاريخ الإنسانية»، فيما وجد النوري أن القائد الأيوبي هو «كذبة كبيرة»!
على تشابه التوصيفات المشنّعة والمنابر بين الروائي والممثل، وعلى كون المقصود في الواقعتين هو الإساءة إلى رمز تاريخيّ إسلاميّ، من جهة، وإثارة الضجيج الإعلاميّ والإثارة الفارغة، من جهة أخرى، فإن من المنطق القول إن المعركة الجارية لا تدور على اكتناه حقيقة صلاح الدين الأيوبي التاريخية (وغيره من رموز يتمّ انتقاؤها ومهاجمتها كأحمد عرابي مثلا)، ولا تهتمّ بدراسة التاريخ بشكل علميّ وفي سياقه الاجتماعي والاقتصادي والسياسيّ الخاص به، فلا زيدان مؤرخ حقيقي، ولا عباس النوري مؤهّل للخوض في هذا المجال، وبالتالي فالمطلوب النهائي من هذه المعارك هو الاستيلاء على رأسمال رمزيّ وتوظيفه في حيثيّات سياسية موجودة في الواقع حاليّاً.
إحدى الأفكار التي استند إليها ناقدو صلاح الدين أن الأهمّية الرمزيّة الكبيرة التي أخذها في العصر الحديث نبعت من رغبة النظام المصري أيام جمال عبد الناصر في استعادة رمز تاريخي إسلاميّ وتوظيفه في الدعاية للدولة الناصريّة نفسها، في تركيز على التشابهات، من قبيل توحيد مصر وسوريا (كما حصل عام 1958) ومواجهة «الصليبيين» لتحرير فلسطين (حطين مقابل العدوان الثلاثي الخ…).
غير أن استعادة دولة عبد الناصر لصلاح الدين الأيوبي لا تتنافى مع القيمة الرمزيّة الهائلة له، سواء عند المؤرخين المسلمين، أو المؤرخين الغربيين، فإذا كانت آلة دولة عبد الناصر قامت بإنتاج فيلم «الناصر صلاح الدين»، فإن آلة هوليوود استعادت الشخصية من التاريخ بدورها، كما حصل في فيلم ريدلي سكوت الشهير «مملكة السماء»، وقامت بتمجيدها وتخليدها وخصوصا بالتوازي مع شخصية ريتشارد قلب الأسد، الملك الإنكليزي وأحد قادة الصليبيين.
كان صلاح الدين شخصيّة سياسيّة لا تخرج أفعالها عن أفعال الملوك من معارك مع الخصوم العسكريين والأيديولوجيين، باستثناء أنه هو وليس غيره من «خرج بعساكر المسلمين من أهل مصر والشام والجزيرة وديار بكر والموصل وكسر الصليبيين على تل حطين وقتل من الفرنج ما لا يحصى وأسر ملكهم الأعظم وسائر ملوكهم وأمرائهم»، على ما يقول المؤرخون العرب.
نفهم سوء الغرض الممزوج بالتهافت حين نسمع انزعاج النوري من وجود تمثال لصلاح الدين الأيوبي في دمشق ولا يسوؤه وجود عشرات التماثيل لرئيس النظام السوري الراحل حافظ الأسد تطلّ على مدن منكوبة ومناطق محروقة وشعب نصفه لاجئون ونازحون، وعندما نرى هجوما قبيحا على شخصيات تاريخية كصلاح الدين وتغاضيا مخزيا عما يفعله حاكم سوريا الحالي، أو حكام العرب الآخرون، نفهم السبب الحقيقي لهذه التصريحات.
وسوم: العدد 801