حملة التأميم

د. محمد زكي الحصني

في ناحية أخرى من المدينة(دمشق) و في نفس مكان المصرف التجاري الكائن الآن تحت مبنى المحافظة ،كان (بنك العالم العربي ش.م.م) وكان بنكا خاصا، مديره ورئيس مجلس إدارته  مهندس يمتلك أكبر الحصص فيه و كان بالقرب من دمشق، معمل للنسيج، خاص، تمتلكة عائلة مؤلفة من أخوة أربعة، كان ثلاثة منهم قد غادروا البلد، و هم في بداية الشباب، كل في اتجاه من العالم. عملوا و اجتهدوا وكونوا ثروة، -كل في بلد مهجره-، ثم أحبوا أن يبنوا معملا للنسيج  في بلدهم. و قد أتوا بثمنه من خارج البلد و(من حر مالهم).

استطاع هذا المعمل بعد ثلاث سنوات و بسبب حرفية وجهد أصحابه أن يصدّر النسيج القطني السوري لليابان -دولة صناعة النسيج الأولى في ذاك الزمن- مما يعني أن مصنوعاتهم كانت تنافسية جدا من جهة السعر والجودة، مستفيدين من كون سورية كانت تنتج أجود أنواع القطن. وكانت شركتا (الغزل و النسيج) و (الخماسية المساهمة)  تنتج أفضل أنواع الخيطان.

علم أصحاب المعمل والمصرف بحملة  التأميم  واتفقوا أن يقترض "المعمل" من "البنك" مبلغا يعادل ثمن (المعمل والأرض التي حوله) و (ثمن البنك) بضمانة "المعمل" فإن جاء التأميم يكون كل من الفريقين( مالك البنك) و(مالك المعمل ) قد قلل من خسارته و منع الدولة من "سرقة" ماله و جهده. -إذ للمعمل المؤمم ،أن يسدد دينه للمصرف المؤمم .و كلاهما أصبح ملك للدولة-.  و هكذا كان .

جاءت فرقة التأميم للبنك فاستقبلهم المدير المالك بوجه ضاحك بشوش و أدخلهم غرفة المكتب و قال للمدير المعيّن هذه كانت غرفتي والآن هي غرفتك، و لما نظر اليه مليا دار بخلده أن هذا المدير( الجديد) ربما يكون أول مره يجلس فيها خلف مكتب فتقدم منه و بدأ يعلمه كيف تفتح أدراج المكتب كي لا يكسرها ثم نادى الحاجب وطلب إليه ان يأتي بالقهوة  وقال لا بد أن نحتسي فنجان قهوة بهذه المناسبة والمنعطف التاريخي الذي تمر به البلد. ضحك الجميع  وشربوا القهوة وقال المدير المعيّن : يمكنك ان تأخذ أشياءك الشخصية. أجابه: قد فعلت، مسبقا، ثم لبس سترته المعلقة على المشجب وصافحهم  وغادر للبنان ولم يعد بعدها.- بعد شهر احتل مصطفى طلاس بيته وسكن به لعقود و هو نفس البيت الكائن في الروضة شارع المحكمة العسكريه و المنتهي بمركز الجلاء حتى الآن هناك حراسة على البيت- 

وصل فريق التأميم ألى معمل النسيج بنفس تركيب أعضاء الفريق الأول( مدير, معاون مدير, و محاسب ,و سائق ,و سيارة خدمة وسيارة مدير, و مؤازره شرطية.) و بينما يفتح البواب البوابة الخارجية خرج صاحب و مدير المعمل ليستقبلهم، و شرب القهوة معهم، ريثما يكتبون بعض الضبوط وخلالها تعرف على المدير "المعيّن" - والذي بعد ذلك ارتبط بصاحب المعمل بعلاقة عمل- (إذ ان مالك المعمل عندما كان يزور البلد كان ياتي لزيارتة ويقبض منه مبالغ محترمة) بقي المدير الجديد في منصبه لفترة ثم أصبح وزيرا، و مالك المعمل هو صاحب المقولة الشهيرة، لما سأله المدير المعيّن كيف كان يربح المعمل معكم و معنا صار يخسر اجابة (كان المعمل لي, و الكرسي لي, والشغل لي. آتي يوميا أضع طيزي عالكرسي وعيني عالشغل أما أنت فالشغل ليس لك، والكرسي ليس لك، والمعمل ليس لك، لذلك عينك دوما عالكرسي، و طيزك عالشغل.  أعتذر (لكن الدقة تفترض ذكر التعابير كما هي)  كما لا يمكن وصف الواقع بكلمات غيرها 

كاسكم يا من كذبوا علينا وسموه لنا وطن.

وسوم: العدد 801