الوجود الإيراني في سوريا والارتباط بالأسد
لم تهدأ وتيرة الاحتجاجات في إيران والتي اندلعت منذ شهر ديسمبر من العام الماضي 2017، ضد سياسات بناء المجال الحيوي الإيراني، والإنفاق باتجاه العراق سوريا ولبنان واليمن، بدلا من دعم اقتصادها، الأمر الذي دفع المواطنين للمطالبة بتحسين أوضاعهم الاقتصادية، وقد صدحت حناجرهم: "نه سوريا نه لبنان جونم فداي إيران" لا سوريا لا لبنان روحي فداء إيران "، كما تبع هذا "الضجيج" بحسب وصف إمام جمعة طهران حجة الإسلام والمسلمين "أحمد خاتمي"، بتدارس السبل لكيفية إعادة مجد إيران، والتمهيد لعودة إمام الزمان الموعود، فسياسة بناء المجال الحيوي " المذهبي"، كان لها ضريبة دفعتها الدولة الإيرانية، من خلال عشرات المليارات التي تكبدتها الدولة والثورة، وعشرات الألوف من القتلى والعائلات الثكلى التي عانت الكثير، وهو ما زاد دون شك من إصرار المرشد والحرس الثوري على المضي قدماً في مغامراته الخارجية، لنصبح أمام السؤال الأهم وهو: لماذا لم نشهد تغييرات على موقف طهران إزاء الأزمة السورية التي تورطت بها إيران ووكلائها حتى النخاع؟
فقد وجد ساسة إيران بأن المعطيات الدولية والاقليمية لم تستدع إحداث تغيير في سياسة طهران الإقليمية على وجه التحديد، وإن وجدت بأن مشاكلها الدولية المعقدة تستوجب تناولها وحلها عبر آلية الحوار والتفاوض، وترى أنّه من الممكن حلّ هذه المشكلات الدولية عبر التفاعل الدبلوماسي، لا سيما فيما يتعلق ببرنامجها النووي.
فالإدارة الأميركية بعد فرض الوجبة الثانية من العقوبات؛ أرسلت إشارات متناقضة وغير منسجمة بخصوص التواجد الإيراني في سوريا، حيث تركز إدارة دونالد ترامب على جملة من الأهداف أهما: مكافحة الارهاب من خلال مواجهة داعش وأخواتها، والهدف الثاني: هو إخراج إيران من سوريا، وإنهاء نفوذها العسكري هناك دون الحديث عن الوجود الثقافي والاقتصادي والديموغرافي الإيراني... أما الثالث: فهو منع طهران من تشكيل خطر على أمن إسرائيل من خلال تواجدها على الأراضي السورية، ورغم وضوح هذه الأهداف الثلاثة، لكن الاستراتيجيات المتبعة والتصريحات التي تخرج عن البيت الأبيض تكاد تكون متضاربة نتيجة انعدام الخطة أو الاستراتيجية الواضحة المعالم لكيفية تنفيذ هذه الأهداف الثلاثة.
فخلال الفترات الماضية أوقفت الولايات المتحدة دعماً مالياً ومساعدات تقدر قيمتها ب 430 مليون دولار لمجموعة برامج تهدف إلى تحقيق الاستقرار في بعض المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري.
والمثير في الموضوع أن الرئيس أميركي " دونالد ترمب" يريد الانسحاب من سوريا بأسرع وقت، وقد أكد مراراً وتكراراً أنه لن يشارك بإعادة بناء ما دمرته الحرب، ويطالب الدول الخليجية بتحمل المسؤولية، مع تأكيد التواجد الأميركي في مناطق النفط والغاز. والمضحك أن السياسة الأميركية لم تقل لنا حتى اللحظة كيف ستخرج إيران ومليشياتها ووكلائها من سوريا؟! لكن ترمب هدد الدول العربية بانسحابه هو من سوريا، إذا لم تقم هذه الدول بما يتوجب عليها، وكان يقصد طبعاً الخليجية كي تتحمل كلف البقاء العسكري الأميركي هناك، وهذا التناقض في السياسة الأمريكية خلق انطباعا عاما حيال الموقف الأميركي وحالة الضبابية التي تسود السياسات الأميركية الخاصة بسوريا، وهذا يمثّل فرصة تاريخية لإيران لأن الجو سيكون متاح لها لمزيد من الهيمنة وبسط النفوذ، وفضلا عن ذلك فقد أكدت هذه المواقف الأميركية المتضاربة أن تحجيم النفوذ الإيراني لا يتسم بالجدية والواقعية، لهذا صرحت إيران بأنها لن تنسحب من سوريا مهما كان الثمن.
فمن هنا ندرك بأن كل حديث عن انسحاب إيران من سوريا هو تسطيح للأمور، والمؤكد أن واشنطن لا تريد ذلك لأسبابها الخاصة، بعد التغاضي الأميركي عن التغلغل الإيراني الواسع في النظام الأمني والعسكري والاقتصادي السوري، وتوقيعه لاتفاقيات في قطاعات الطاقة والتعدين والاتصالات وإعادة الاعمار، واتفاقيات عسكرية وأمنية، كل ذلك تم تحت نظر وسمع الإدارة الأميركية.
وفي إزاء ذلك تدرك طهران بأن إنهاء نفوذها في سوريا لا يمكن أن يتم إلا في حالة واحدة وهي: تغيير النظام السوري من خلال إنهاء سلطة عائلة الأسد، وهذا معناه إخراجها من سوريا، ومن هنا يمكن فهم إصرار إيران على بقاء الأسد حاكماً لسوريا مهما كلف الأمر.
وسوم: العدد 801