بوح آخر الليل، في رأس السنة.. نهنيء أم لا نهنيء؟

العالم بات اليوم يؤرخ بالتأريخ الإفرنجي، وأصبح أول يوم من أيام كانون الثاني هو رأس العام الميلادي، ويتخذه الناس عطلة رسمية، وهذا بحكم الأمر الواقع.

أكثر الناس منشغل منذ أسبوع ولا هم له إلا الحديث عن تهنئة النصارى برأس السنة، هل هو جائز مباح؟ أم هو حرام وبدعة وضلالة؟

وللأسف.. أكثر الناس منشغل بالناس، غافل عن نفسه!.

ها هو عام جديد يمر علينا، يحصد بعضا من أعمارنا ونحن لا نشعر، يدنينا من آجالنا ونحن لاهون ساهون، عام بعد أعوام تتسرب من بين أيدينا كما يتسرب الماء من بين كفي طفل صغير..

مر عام بأيامه ولياليه.. نقصت فيه أعمارنا، فهلا سألنا أنفسنا ما هو حصادنا؟

كم أحسنا؟ كم أسأنا؟ أين أحسنا؟ أين أسأنا؟ بماذا أحسنا؟ بماذا أسأنا؟ لمن أحسنا؟ على من أسأنا؟

ماذا قدمنا؟

هل زدنا في الدنيا شيئا أم كنا مجرد أرقام زائدة عليها؟

هل انتفع منا الناس؟ هل تضرروا؟

هل غلب خيرنا شرنا؟ أم طغى شرنا على خيرنا؟

هل زاد برنا بوالدينا وتلطفنا مع أزواجنا واهتمامنا بأولادنا؟ أم ضيعنا ما وجب من حقوقهم علينا؟

هل امتلأت قلوبنا رحمة على العباد وشفقة على المخلوقات؟ أم زدنا على الحقد والظلم الذي بات يملأ الأرض، حقدا وكراهية وظلما؟

هل عطفنا على اليتيم وأحسنا إلى الفقير وأعنا المسكين وواسينا المنكوب وأغثنا المكروب؟

هل أسعدنا من حولنا؟ أم زدناهم تعاسة وألما ونكدا؟

هل زاد إتقاننا لأعمالنا تقربا إلى الله وإعمارا للحياة؟ أم تخلينا عن إتقاننا وقلنا "حشر مع الناس عيد"؟!

هل زاد إيماننا وقربنا من الله؟ هل ذقنا حلاوة القرب ولذة المناجاة؟ أم مرت علينا الأيام بعبادة أقرب إلى العادة، بلا روح؟ 

أم تراها طغت كثافة طين أجسادنا على رقة أرواحنا فضيعنا العبادة وزهدنا بالطاعة وجحدنا النعمة وأدبرنا عن الخالق العظيم؟

علينا أن نواجه أنفسنا.. فقد انشغلنا في حكم تهنئة الآخرين، ولم ننشغل بمحاسبة أنفسنا في ديننا ودنيانا!

صاحب الدكان يعمل جردة حساب في آخر السنة ليرى هل يستمر على نفس طريقه أم يغيره ليزيد الأرباح أو ليتجنب الخسارة في أسوأ الاحتمالات، فهل حياتنا أهون علينا من الدكان فلا تحتاج منا إلى جردة حساب؟

هل نحن راضون عن أنفسنا؟ هل نحن مطمئنون أننا على استعداد للقاء ربنا بما قدمناه في أيام هذا العام التي وهبنا إياها ولو شاء لما عشناها؟

هل كانت أعمالنا سفينة نجاة تحملنا على ظهرها ونحن نسير إلى آجالنا ويوم عرضنا الأكبر؟ أم كانت أوزارنا أثقالا نحملها على ظهورنا وننكس منها رؤوسنا بين يدي الخالق وأمام أعين الخلق؟!

انشغلنا بالآخرين، هل تجوز تهنئتهم؟ أم لا تجوز؟ مع أن المسألة قد تحدث عنها أهل العلم قديما وحديثا، وتفرعت منها المسائل، وتعددت فيها الآراء، وليس ثَمَّ جديد في الأمر. وعلى كل حال فهذا راجع لأهل الاختصاص، ولكل واحد منا أن يأخذ بالرأي الذي يطمئن إليه قلبه.. وتنتهي المسألة.

أضعنا أوقاتا طويلة ونحن نختلف حول تهنئة الآخرين، ولكننا لم نشغل أنفسنا بالأمر الأهم، ونحن على أبواب عام جديد، ترى؛ (هل أحسنا لأنفسنا في العام المنصرم فنهنيها؟ أم أسأنا لها فنعزيها؟)

هذا هو السؤال الأهم الذي غفلنا عنه في هذه الأيام.. وربنا تبارك وتعالى يقول:

"إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا".

وسوم: العدد 805