تحذير من بعض الذين يدعون التجديد في تفسير القرآن

د. محمد عياش الكبيسي

تتزايد هذه الأيام ظاهرة التفسير بما يمكن تسميته (الجذر) الذي تتكون منه الكلمة، قبل أن تأخذ معناها المستقر لغويا أو اصطلاحيا، وهي ظاهرة في غاية الخطورة 

مثلا : ما معنى كلمة (الصوم) أو (الحج) أو (الزكاة) ؟ إن هذه الكلمات استعملت في معانٍ شرعية اصطلاحية محددة، ومجمع عليها بين المسلمين، فإذا جاء من يحاول إرجاعها إلى الجذر الأصلي فإنه سيأتي بتفسيرات مغايرة لمعانيها الشرعية

--

والحقيقة أن كل العلوم إنما تفهم بمصطلحاتها العلمية، وليس بجذرها، فالخليّة مثلا مصطلح طبي له معناه المحدد، فمن أراد أن يلغي هذا المعنى مستندا إلى المعنى الجذري للكلمة فإنه سيلغي المقصود العلمي للكلمة..

في حالة عدم وجود مصطلح علمي فإن التفسير يكون بالحقيقة اللغوية، مثل كلمة (إنسان) بمعناه المعروف، ولكن لو حاولت الرجوع إلى المعجم لمعرفة الجذر الذي أخذت منه كلمة إنسان، فستجد معنى بعيدا ولا يعبّر بدقة عن معناها المعروف..

--

وقد رأيت لأحدهم تفسيرا لقوله تعالى (إنا أنزلناه قرآنا عربيا) أن الجذر (ع ر ب) معناه الوضوح والبيان، وهذا صحيح ومنه قولك : أعرب عن رأيي، أي: أفصح وأبين، لكن هذا لا يصح تفسيرا للآية، فالقرآن نزل بلغة العرب، ومن ثم كان مفهوما عند العرب، فهو واضح لديهم لأنه نزل بلغتهم، وغير العربي لا يفهم منه شيئا إلا بالترجمة، أو يتعلم هو لغة العرب، وهكذا الشأن حينما تقول: لسان تركي، أو كردي، فأنت تفهم اللسان الذي يتكلم به الترك أو الكرد، ولا يخطر على بالك الجذر (ت ر ك) أو (ك ر د) 

الموضوع أيها الإخوة في غاية الخطورة، لأنه سيحرف معاني القرآن إلى عموميات وبدائيات ليس لها معانٍ محددة، ولو استخدمت هذه المنهجية في العلوم الأخرى فإنها ستحوّل الكتب العلمية كلها إلى فوضى 

يؤسفني أن أجد بين شباب الإسلام من يعجب بهذه التحليلات الجذرية وتستهويه لأنه يرى فيها أسلوبا جديدا، مع أنها في الحقيقة أساليب بدائية تعود باللغة إلى بدائيتها قبل تكوين البناء اللغوي والعلمي..

نعم نحن بحاجة إلى مناهج جديدة، لكننا بحاجة إلى مناهج تبني ولا تهدم، مناهج تعيننا على الحل ولا تدفعنا باتجاه الفوضى والضياع..

والله يحفظكم جميعا ويرعاكم

وسوم: العدد 806