شهوة الكلام ، والشهواتُ المتفرّعة عنها !
قد يبتلى شخص ما ، بشهوة الكلام ، وتسيطر عليه ، فتصبح مرضاً نفسياً ، لديه ، فلا يترك مجلساً ، يجلس فيه ، دون أن يستأثر بالكلام ، كلّه ، دون النظر، إلى نوعيات الجالسين فيه ، أو حاجاتهم ، إلى التحدّث ، فيما بينهم ! ولا يدع لأحد ، مجالاً ، لأن يتفوّه ، بكلمة واحدة ، دون أن يقاطعه ، مسترسلاً ، في الموضوع ، ذاته ، الذي يحاول الشخص طرحه ، أو في موضوع آخر، يروق له الحديث فيه .. دون مراعاة ، لمشاعر الآخرين ، أو أوقاتهم ، أو نظرات التذمّر والاشمئزاز، الموجّهة ، منهم ، إليه !
وقد جاء ، في كتاب ( كيف تكسب الأصدقاء ، وتؤثّر في الناس ) ، الصادر، عن مؤسّسة (ديل كارنيجي): أنّ مِن حسن العلاقة ، مع الناس ، إسماعهم كلاماً، يهمّ الحاضرين ، جميعاً، أوأكثرهم ! أمّا الكلام ، الذي لايهمّ ، سوى صاحبه ، في مجلس عامّ ، فهو مُناف للخُلق والذوق ، ويستثير المشاعر السلبية المختلفة ، لدى الحاضرين ، تجاه المتكلّم ! حتى لو تحاور اثنان ، في موضوع ، لايهمّ سواهما !
وتتفرّع شهوة الكلام ، إلى فروع عدّة ، لدى الأشخاص ، المبتلَين بها .. منها :
شهوة الكلام النافع، بأنواعه : كان أحد الفضلاء ، ينتهز أيّة فرصة ، تتاح له ، في أيّ مجلس، أوحفل ، أومؤتمر، أومنتدى .. ليأخذ زمام الكلام ؛ فلا يدع ، لأحد ، أيّة فرصة ، لقول كلمة واحدة ، طوال الوقت ! وكان فصيحاً ، واسع الثقافة ، شديد النهم للقراءة ، في سائر أنواعها ، من أدب وتاريخ ، وسواهما ! وكان يعرف ، أن لديه هذا المرض النفسي ؛ فكان يعتذر، لسامعيه، في كل تجمّع يحضره ، قائلاً : أرجو عدم المؤاخذة ؛ فأنا مبتلى بشهوة الكلام ! إلاّ أن الذين يحضرون مجالسه ، وندواته ، قلّما يشعرون ، بأن أوقاتهم تهدر؛ لأن الرجل يمزج ، بين الفائدة والمتعة ، في كلّ مايقول! فهوينتقل ، من طرفة لطيفة ، إلى معلومة نافعة ، إلى حكمة بليغة .. وينوّع بين الشعر والنثر ، فقلّما يملّ أحد ، من كلامه !
فهذا نموذج مميّز فريد ، بين المبتلَين بشهوة الكلام !
أمّا الأنواع الأُخرى ، لشهوة الكلام ، فنادراً ، مايكون فيها النافع ، أو الممتع ، غير المؤذي! ومن أبرز مايصادفه المرء ، من هذه الأنواع :
شهوة اللغو والثرثرة ، بلا طائل : وهذه تضيع أوقات الناس ، دون أيّة فائدة لهم ، منها ، ودون تحصيل أيّة متعة نفسية ، أوعقلية !
شهوة التظاهر: بالعلم ، أو بالجاه ، أو بالثراء ! وهذه موجودة ، لدى الكثيرين ، من المبتلَين بشهوة الكلام ! وقد تخلو، من إيذاء أحد ، حاضراً كان ، أم غائباً .. لكنها قلّما تفيد أحداً ، من الحاضرين ، أو تهمّ أحداً منهم !
شهوة الغيبة والنميمة : وهذه كثيرة ، لدى بعض المبتلين ، بشهوة الكلام ! وهي من أخطر الشهوات ، وأشدّها إيذاء للنفوس ، وإفساداً للعلاقات ، بين الناس ! مع أنّ المبتلَين بها ، يجدون ، في أنفسهم ، متعة قويّة ، وراحة كبيرة ، لنفسياتهم المريضة !
ومثل هذه الشهوة ، من حيث كثرة الضرر، وقلّة النفع : شهوة الأذى ، بأنواعه : الشتم ، والقدح ، والسخرية الجارحة ، وكيل أنواع التّهم للناس ، بالباطل ، دون أيّ دليل ، وبلا أيّ وازع ، أو رادع !
ولله درّ القائل : ومَن لا يُكرّم نفسَه ، لا يُكرّمِ.
وسوم: العدد 806