إطلاق القمر الصناعي الإيراني خدعة لتطوير برنامجها الصاروخي
وعد الرئيس الإيراني ” حسن روحاني “، الذي قام زيارة إلى محافظة ” كلستان “، بإطلاق قمر صناعي الذي أطلق عليه إسم ” بيام امير كبير “، وفعلياً تمت العملية لكنها فشلت ، في الوقت ذاته قال وزير الاتصالات الإيرانية أن برنامج إطلاق الأقمار الصناعية الإيرانية سيستمر، وذلك في إطار تدريب علمي .
بالعادة تكلّف التجارب الصاروخية مبالغ طائلة ، في ظل هذه الظروف الاقتصادية الآنية التي تعيشها إيران حيث تخضع لعقوبات اقتصادية ، لكن ما الفائدة التي جنتها إيران من هذه التجارب ، في الوقت الذي شهدنا فيه حادثة سقوط الطائرة العسكرية القديمة التي راح ضحيتها خمسة عشر شخصاً كانوا على متنها ، في الوقت الذي طالب الأمين العام للأمم المتحدة إيران تجنب القيام بتجارب فعلية تؤدي إلى زيادة حدّة التوتر ، هل يتطلب الموقف العالمي وضع إيران بهذه الوضعية التي هي عليها الآن حيث تخضع لتغليظ في الموقف من قبل المجتمع الدولي ؟
في الوقت الذي أعلنت الدول الأوروبية الكبرى الثلاث ، بريطانيا وفرنسا وألمانيا ، رسمياً أن اختبارات الصواريخ الباليستية الإيرانية تتناقض مع قرار مجلس الأمن 2231 ، وقاموا بإبلاغ إيران بمخاوفهم هذه ، ولكن الجمهورية طهران تتحدى الموقف الأوروبي هذا ، لكن إلى أي مدى يمكن لأوروبا الإستمرار بهذا النهج ؛ في الوقت الذي تدعي فيه إيران أن موضوع الإتفاق النووي منفصل عن البرنامج الصاروخي ، وفيما إذا استمرت إيران بتطوير هذا البرنامج ؛ فإلى أي مدى يمكن لها أن تستمر ؟
وبموازاة ذلك هل تملك أمريكا القدرة على ردع هذا النشاط الصاروخي والحيلولة دون تطوره ؟ وزير الخارجية الأمريكية ” مايك بومبيو “، يقول عقب انتهاء جولته الشرق أوسطية أن أمريكا ستواجه إستراتيجية إيران التي تسعى لاحتواء خمسة عواصم في المنطقة، وقد كان رئيس الحكومة الإسرائيلية أول مسئول يصدر من جانبه ردة فعل على فشل عملية الإطلاق هذه ، فقد وصف المزاعم الإيرانية من جراء إطلاق هذا القمر الصناعي المتمثلة بالأغراض العلمية بالكذب وقال أن الهدف من هذا المشروع لا يتعدى حدود التجارب التي تنفذ على صواريخ عابرة للقارات ، حيث يتعارض هذا وكافة الاتفاقيات الدولية .
، لكن ما مغزى التجارب الصاروخية الفضائية الإيرانية ؟ ، وما هي الرسائل التي تريد دولة ولي الفقيه توجيهها للخارج ؟ والأحداث تتسارع وتجري ككرة اللهب ، في الوقت الذي تحاول فيه طهران إظهار أنها مازالت موجودة على الخارطة الجغرافية ، ولكن هذه المرة من خلال إبراز استعدادها وقدراتها .
الرسالة الأولى التي أرادت طهران توجيهها ؛ فهو إزالة الغموض عن برنامجها الصاروخي بعيد المدى ، من خلال إبراز القدرات النوعية للترسانة الصاروخية، حيث احتفى مسئولي النظام الإيراني بهذه التجربة ، و أنها تمكنت من بناء هذه القدرات في ظل العقوبات الدولية .
الرسالة الثانية التي تريد طهران إرسالها أن إطلاقها للصواريخ البالستية بهذا التوقيت على الرغم من فشلها يُمثل رسالة “عسكرية وسياسية ، أرادت طهران توجيهها لأكثر من عنوان ، في ظل ما تشهده المنطقة من تطورات إستراتيجية وأمنية حاسمة بالنسبة لكنس الوجود الإيراني ومواجهته بقوة وبفعالية غير مسبوقة ، والملفت أن الإعلان عن التجربة الصاروخية كان عبر الحرس الثوري الإيراني – كما هي العادة – باعتباره القيم والوصي على إجراء التجارب والمناورات الصاروخية تزامنت مع جولة وزير الخارجية الأميركية إلى المنطقة لجهة حشد الجهد الإقليمي ضدها ، لكنه اقترن برسالة تهديد شديدة اللهجة -على لسان قائد الحرس الثوري الإيراني – موجهة للداخل والخارج ، بأن الترسانة الصاروخية خط أحمر لا يمكن لأحد أن يوقفها كأناً من كان ،وكان الملفت أيضاً الدفاع المستميت للرئيس الإيراني حسن روحاني – المحسوب على الإصلاحيين ضمناً – عن هذه التجربة .
الرسالة الثالثة : عدم سرية إجراء الترتيبات للتجربة الصاروخية ، حيث أرادت إيران أن تبرز أن لديها القدرة على المبادرة بعنصر المفاجأة ضد أعدائها ؛ إذ جرت التجربة تحت نظر الإعلام نظراً لأهميتها ولإبعادها الإستراتيجية .
السلاح الكيمياوي
الرسالة الرابعة : أرادت إيران هذه المرة – حسب زعمها – أن تعلن بشكل صريح عن مدى صواريخها تحت غطاء التجارب الفضائية ، وطبيعتها من حيث قدرتها على حمل أسلحة غير تقليدية ” نووية وكيماوية ” ؛ وذلك لأسباب عديدة تأتي ضمن إطار سياسة التحدي الإيراني لدول المنطقة ، فلا شك بأن قيام إيران بإطلاق صواريخها البعيدة المدى و القادرة فعلياً على حمل رؤوس ذات الدمار الشامل في هذه الظروف الحبلى بالتطورات ، هي رسالة واضحة تحمل دلائل عميقة و بليغة لدول الجوار ، لاسيما الدول العربية ؛ فهي التجربة الأولى من نوعها بعد فرض وجبتين من العقوبات الأميركية ، وسعي الدول الغربية عموماً إلى ربط مفاوضاتها مع طهران بقضية البرنامج الصاروخي الإيراني الذي بات أكبر خطر يهدد الأمن الإقليمي والدولي برمته ، ووقف تزويد إيران للمليشيات الارهابية في المنطقة بهذا النوع من السلاح في أول سابقة تاريخية من نوعها .
الرسالة الخامسة : إعادة إنتاج فيلم سيناريو الترسانة الصاروخية الإيرانية السرية والأبطال المنخرطين بالإعلان عنه ، لا سيما من الطبقة السياسية ؛ حيث كان المسئولين الإيرانيين حريصين على أن يكونوا في حالة حراك دائم لاستعراض عضلاتهم ، وهذا ما برز من خلال زيارة علي لاريجاني رئيس مجلس الشورى الإيراني سابقاً لمنشأة القاعدة السرية ” عماد ” ، الواقعة تحت الأرض التي تحتوي على أكبر قاعدة صاروخية إيرانية ، حيث ما لفت الأنظار في ذلك الوقت “مغزى التسمية ” ، بمعنى إطلاق تسمية “عماد” على القاعدة الصاروخية الإيرانية ، للتذكير باسم القيادي في حزب الله عماد مغنية”، وعلاقته الوثيقة بما أسمته “رفاق السلاح في إيران، حيث تولى حزب الله الاستعراض نيابه عن قيادته في طهران ، معتبراً أن ذلك يحمل دلالات، وخاصة على صعيد معادلة “الردع مع العدو الإسرائيلي”، بحسب تعبيرها الممانع ، لكن طهران نسيت أو تناست أنها لم تطلق طلقة واحدة منذ الثورة الإسلامية لغاية كتابة هذه السطور على الكيان الصهيوني ، بل اعتمدت على حروب الوكالة لتصفية الحسابات مع إسرائيل ،وأن نفس عماد مغنية قد اغتالته تل أبيب بالتعاون مع مخابرات النظام السوري ، الملاحظة الثانية : أننا لم نسمع بهذه المنشاة إلا عقب قيام السعودية بقطع العلاقات مع إيران ، وتزامن ذلك بعد الإعلان عن مجلس التعاون الاستراتيجي بين الرياض وأنقره ، و عقب تدهور علاقات إيران مع أغلب دول مجلس التعاون الخليجي ، ونجاح المملكة العربية السعودية في إعادة لململة الصف العربي والإسلامي للوقوف بوجه الإرهاب الإيراني .
الرسالة السادسة : تأتي هذه التجربة أيضاً على وقع الانسحاب الأميركي المتدرج من سوريا ، بعد أن اعتبرته اعترافاً بقدرات إيران ، و إعلانها عن قدرتها على بسط النفوذ ومل الفراغ بالتعاون مع حلفائها ، اللذين عاثوا قتلاً ودماراً في سوريا ، هذا بالاضافة إلى تسارع وتيرة الضربات الإسرائيلية للقواعد والأهداف الإيرانية في سوريا .
الصواريخ الايرانية
الرسالة السابعة : الكشف الإيراني الصريح عن مدى الصاروخ من خلال توظيف التجارب الفضائية ، وهو أمر غير اعتيادي في التجارب الصاروخية الإيرانية ، وربما هذا الأمر يحدث للمرة الأولى في التجارب الصاروخية، فالتجربة تظهر أنه بعيد المدى ، وأنه قد يصل إلى ألفي كم وربما أكثر ، معتبرة أن ذلك إشارة منها لإبلاغ الأعداء أنها أصبحت تملك، كما الدول العظمى، قدرات بالستية فوق تقليدية قادرة على ضرب أهداف بعيدة المدى خارج الحدود وبدقة متناهية ، وأن طهران وفي ظل العقوبات الدولية تمكنت من تطوير قدراتها الصاروخية رغم أنف الجميع .
هذه التجربة ستدخل إيران إلى مرحلة الهجوم الدفاعي كما أعلنت عن ذلك ، وأولى بوادره التلويح بالتدخل العسكري الإيراني داخل حدودها المذهبية والأيدولوجيه ؛ من خلال السلاح الصاروخي ، وهذه التجربة لا يمكن فصلها عن تطور مسار الأحداث في المنطقة؛ لا سيما في سوريا والعراق واليمن ، وارتفاع حدة التهديدات في إيران، وفي ظل حالة التدهور الاقتصادي والاجتماعي الذي تعيشه إيران ، الذي شدد في التعاطي بجدية وحزم مع التهديدات الخارجية لجهة رفع معنويات الشعب الإيراني .
وسوم: العدد 807