كيف تنظر إسرائيل إلى التمدد الإيراني في المنطقة لعام ٢٠١٩
في تقرير لها الأسبوع الماضي، تحدثت صحيفة جيروساليم بوست عن التوصيات التي خرج بها أحد المراكز البحثية الإسرائيلية حول التحديات التي ستواجه إسرائيل في العام ٢٠١٩. إحدى هذه التوصيات تشير إلى ضرورة استعداد تل أبيب لإمكانية نقل المعركة العسكرية إلى إيران ولبنان مباشرة إذا ما اقتضى الأمر ذلك لمنع طهران من ترسيخ وجودها العسكري في سوريا.
وفقاً للتقرير المذكور، فبالرغم من أنّ إسرائيل تُبقي على حالة الردع قائمة فيما يتعلق بالتهديدات الأمنية ما دون حالة الحرب، إلا أنّ الجبهات المحيطة بها في غزة ولبنان وسوريا رخوة ومتقلّبة للغاية وهو الأمر الذي يعني إمكانية تدهور الأمور بشكل سريع في أي وقت وتحوّلها إلى مواجهة ومن ثمّ إلى حالة حرب على أكثر من جبهة في وقت واحد. ويسمي المركز هذا الاحتمال بالسيناريو الأسوأ الممكن حصوله والذي يجب أن تكون تل أبيب مستعدة له.
ويرى التقرير أنّ التهديدات تتدرّج من حيث حدّتها من البرنامج النووي الإيراني إلى حزب الله ثم إلى نشاطات إيران في المنطقة الشمالية وصولاً إلى نشاط حماس في غزّة. لكن من حيث الأولوية، يرى أنّ الوضع في غزّة يحتل الأولوية بسبب إمكانية تدهوره السريع مقارنة بالجبهات الأخرى.
ولعلّ أكثر ما يلفت الانتباه في استنتاجات التقرير إشارته إلى أنّ الولايات المتّحدة لا تريد خوض حرب عسكرية مع إيران، وثانياً أنّ هناك إمكانية لأن تتوصل واشنطن إلى صيغة جديدة للاتفاق النووي، وثالثا أنّ الجهود الإيرانية لتسليح حزب الله في لبنان بأسلحة أكثر دقة في مجال الصواريخ والدفاع الجوي وصواريخ بحر-بحر تزداد، وأخيراً أنّ جهود إعادة بناء قدرات الجيش السوري انطلقت من جديد وأنّ ذلك قد يشجع على تحدّي الخطوات الإسرائيلية.
هذه الاستنتاجات تتحدى الانطباع السائد لدى عدد من الدول العربية إزاء موقف الولايات المتّحدة في مواجهة إيران، ففي حين يعتقد البعض أنّ واشنطن ذاهبة باتجاه التحضير لحرب مع إيران استناداً إلى مؤشرات منها قرار سحب القوات الأميركية من سوريا وإعادة تموضع القوات الأميركية خليجياً والدفع باتجاه تشكيل تحالف شرق أوسطي لمواجهتها، فإن التقرير يشير بشكل واضح إلى أنّه على الرغم من اتّباع إدارة ترامب سياسة شديدة فيما يتعلق بالاتفاق النووي الإيراني، فإنّ نشاطها للضغط على إيران يتركّز أساساً على الجهود السياسية والاقتصادية، مؤكّداً أنّ الولايات المتّحدة غير مستعدة لمواجهة إيران عسكرياً ولا تريد ذلك.
ويدلل المركز على استنتاجه هذا بالإشارة إلى قرار الرئيس الأميركي سحب القوات من سوريا. إذا ما صح مثل هذا الاستنتاج، فإنّ ما تفعله إدارة ترامب هو استخدام وتوظيف مخاوف بعض الدول العربية من إيران من أجل دفع طهران إلى تقديم تنازلات تتعلّق بتفاهم ثنائي مع واشنطن، وجل ما تريده إسرائيل في هذه المعادلة حال حصولها هو أنّ يحفظ مثل هذا الاتفاق مصالحها.
أمّا فيما يتعلق بجهود تزويد حزب الله بالمزيد من الأسلحة الدقيقة من قبل إيران، فعلى الرغم من أنّ هذه الجهود لم تعد سريّة، إلا أنّ تأكيد إسرائيل على أنّها تشكّل خطراً مستقبلياً وأنّها مستعدة لنقل الحرب عسكريا إلى لبنان في إطار اللعبة الإقليمية المفترضة مع إيران لمنع ذلك، فهذا يعني أنّ حزب الله يعرّض لبنان بشكل متزايد لمخاطر جسيمة من أجل حسابات إيران الإقليمية وهي حسابات ليس لبيروت ناقة أو جمل فيها كما يقال. إغلاق الجبهة السورية مستقبلاً سيؤدي بالتأكيد إلى تزايد مخاطر نقل الحرب إلى لبنان، إذ ستفضل إيران ونظام الأسد العودة إلى التفاهمات القديمة مع إسرائيل في جعل لبنان صندوق بريد لرسائلهم الإقليمية.
وبخصوص وضعية النظام السوري، فإن تل أبيب ترى أنّ الجهود لإعادة بناء الجيش السوري قد بدأت وأنّ هذه الجهود ستؤدي إلى زيادة قدرة نظام الأسد على تحدي الخطوات الإسرائيلية. لا شك أنّ النظام سيبقى ضعيفاً وغير قادر على مواجهة إسرائيل وهو الأمر الذي لم يفعله حتى عندما كان في أوج قوته، لكن من وجهة نظري ربما سيجد نظام الأسد نفسه بحاجة إلى زيادة تحدّي الخطوات الإسرائيلية من أجل بناء شرعيته المحلية والإقليمية، فتحدي إسرائيل ولو كلاميا أثبت مراراً أنّه مفيد لناحية التلاعب بالجماهير وكسب التعاطف وبناء الشرعيّة في العالم العربي والإسلامي وهو ما ستستفيد منه إيران بدورها، لكن ذلك سيرفع بالمقابل من احتمالات اندلاع حروب إقليمية لم يعد لدول المنطقة قِبَل بها ولا يستفيد منها في نهاية المطاف إلا إسرائيل وإيران.
وسوم: العدد 808