حرب الإشاعات!
الإشاعات في العراق بعد العام 2003 شملت جوانب القتل والاعتقال، والهروب من البلد، والانقلابات العسكريّة، والتخوين، وطعن أعراض الناس، وغيرها. وقد استخدمت القوى الحاكمة الإشاعات لتثبيت سلطانها وتجاوز بعض المراحل الدقيقة؛ عبر إثارة الرعب الطائفيّ بين مكونات الشعب، أو بغير ذلك من الشائعات!
والإشاعات ربما تكون خارجيّة، أو داخليّة ومخطّط لها بعناية، ولا يمكن نكران دورها وأثرها النفسيّ والمعنويّ على المستويين المدنيّ والعسكريّ.
وفي المقابل، هناك "الإشاعات المضادّة" التي تطلقها الأطراف المتضرّرة من الإشاعات الأولى، وهكذا كلّ فريق يغنّي على ليلاه!
ما يعنينا هنا هو التركيز على سياسة الإشاعات بالنسبة للقوى المعارضة للحكومة، وما إذا كان يمكن للإشاعات وحدها أن تغيّر الوضع في العراق.
التغيير لا يمكن أن يكون عبر الإشاعات، ولا يمكن تصوّر سقوط حكومة معترف بها إقليمياً ودولياً عبر أسلوب الإشاعات!
منْ يتطلّع لإنهاء المشهد السوداويّ القائم في العراق، عليه أن يتّخذ الطرق المنطقيّة الموضوعيّة البعيدة عن التزوير والخداع والإرهاب؛ لأنّ الإشاعات لا يمكنها أن تغيّر الواقع المظلم، ومنْ يتّفق مع هذا المنطق الخَرِب لا يفقه من نظريّات التغيير أيّ شيء.
التغيير المطلوب في العراق يتطلب خطوات عمليّة جادّة، ومنها:
- تهيئة الجماهير، وزرّع الثقة في عقولهم ونفوسهم بالقدرة على التغيير، وبأنّ ما يجري هي حروب أحزاب متناحرة لا يمكن أن توصل البلاد إلى مراحل البناء.
- اتّخاذ سبيل الوضوح والمصداقيّة في التعاطي مع الحالة القائمة والبعد عن سُبْل التضليل والخداع (وإن كان بعض السياسيين ينظرون إليها على أنّها جزء من الحرب النفسيّة)؛ لأنّنا نتحدث عن قوى حاكمة تمتلك اليوم المال والرجال والسلاح، والعلاقات والاعتراف العربيّ والإقليميّ والدوليّ، ولهذا لا يمكن إسقاطها بنشر الأكاذيب، بل بالوضوح والانتقاد الموضوعيّ القائم على الحقيقة.
- ضرورة الالتزام بالموضوعيّة والحكمة في طرح الحالة العراقيّة، ولهذا ينبغي التأكد من المعلومات قبل نشرها، وبالذات عبر مواقع التواصل الاجتماعيّ؛ لأنّنا (مع الأسف) نجد بعض النُخَب الفكريّة والمجتمعيّة تنشر مثل هذه الإشاعات دون تدقيقها.
- الاستعانة بالمخلصين والمحبين للعراق من داخل البلد لتوثيق جرائم القتل والنهب والسرقة والفساد وغيرها من الصور السلبيّة، وأن تكون بالأسماء والتواريخ، ومحاولة دعمها بأوراق رسميّة لتكون دليلاً على هؤلاء يمكن تقديمه في محاكم محليّة أو أجنبيّة في الوقت المناسب.
وهذا يدفعنا لطرح السؤال التالي: هل أنّ تغيير ثقافة الشعوب تسبق تَبْدِيل الحكومات، أم العكس صحيح؟
لا شكّ أنّ تَبْدِيل الواقع القائم في العراق مطلب إنسانيّ، وذلك نتيجة مستويات الخراب التي انحدرت إليها البلاد في غالبيّة الأصعدة السياسيّة والأمنيّة والقضائيّة وغيرها، ولكن يفترض بهذا التغيير أن تسبقه مرحلة نشر ثقافة توعية عامّة للجماهير، وهذا واجب النُخب الفكريّة والسياسيّة.
التغيير الفكريّ هو المرحلة الأهم في أيّ نظريّة تغيير، وذلك لأن إعادة بناء العقل الشعبيّ خطوة أساسيّة في التغيير المرتقب. والدليل، أنّ كافّة محاولات الأحزاب الحاكمة في السيطرة على الجماهير العراقيّة بالقوة باءت بالفشل، رغم كلّ الإمكانيّات المتوفرة لديهم.
التغيير المُتوقَّع ينبغي أن يبدأ من الإنسان العراقيّ، ومنْ يُريد أن يقلب المعادلة ويحاول الوصول إلى قِمّة الهرم قبل الأساس، فهذا يقفز على الترتيب المنطقيّ وينكس المعادلة، وهذه الخطوة أثبتت التجارب الإنسانيّة العديدة فشلها وضمورها!
التغيير في العراق بحاجة على مشروع وطنيّ جامع ومقنع ومُتَّفَق عليه بين القوى المعارضة، فهل اتّفقت هذه القوى على مشروع واضح يمكن أن يؤسّس لمرحلة التبديل؟
المراحل الانتقاليّة من أصعب المراحل التي تمرّ بها الشعوب، ولهذا ينبغي العناية بترتيبها قبل أن نجد أنفسنا أمام عَمليّة استبدال شكليّة لا علاقة لها بالبناء والتقدم والحضارة وحينها - ربما - نتأسف على كلّ الجهود التي ذهبت أدراج الرِياح!
طريق التغيير من أعقد الطرق ويحتاج لتكاتف وتلاحم وتعاضد وابتعاد عن الأنانيّة والمصالح الشخصيّة والحزبيّة، وإن لم نقتنع بذلك، سنبقى في دوامة الإشاعات التي لا تقودنا للخلاص من واقعنا المزعج!
وسوم: العدد 808