ما علاجُ الفتنة حين تكون جرثومة سابحة في الدم ؟

حدّث أحدهم، عن أبيه ، من أربعين سنة ، بنوع من الحيرة والإشفاق، والاستغراب ، قائلاً: كان، في أحيان كثيرة ، يدخل البيت ، مسرعاً ، ويحمل بندقيته .. وحين يهمّ بالخروج ، يسأله أحد أفراد الأسرة : إلى أين ؟ ولمَ تحمل بندقيتك ؟ فيجيب ، لاهثاً : لقد حصلت مشاجرة ، في الحيّ الفلاني ! وحين يُسأل :

 هل لك علاقة بها ؟

 يقول : لا !

هل فيها أحد من أقاربك ؟ يقول : لا !

هل تعرف أحداً ، من المتشاجرين ؟ يقول : لا !

فلماذا تحمل بندقيتك ، وتذهب إلى المشاجرة ؟ لا أدري .. ربّما أحتاج البندقية !

وحين يُسأل المتحدّث ، عن تفسيره ، لسلوك أبيه ، يجيب - في حيرة - لا أرى لسلوكه تفسيراً، سوى وَلعِه بالفتَن ! وقد شبّ ، على هذا الولع ، مذ كان غلاماً يافعاً ! ولا نعلم ، ما الذي ، غرس في نفسه ، هذا الولع ! ثمّ يستغفر المتحدّث ، لأبيه ، ويدعو له بالتعقّل ، والهداية ، والاتزان ! فهو لم يذكر هذا الأمر، عن أبيه ، عقوقاً له ، أو انتقاداً لسلوكه ، الذي لايعرف له تفسيراً ؛ إنّما ذكره ، على سبيل وصف ( حالة غريبة !) ، قد يكون الدافع إليها ، لدى صاحبها، هو: الشجاعة ، أو النجدة ، أو الحَميّة .. أو الاحتياط الزائد ، لأمور مجهولة ، قد تقع ! لكن من بين التفسيرات المقنعة ، لهذا السلوك ، تفسير: الولع بالفتنة !

هذا نموذج حقيقي ، من البشر، وقد أفضى إلى ربّه !

أمّا النموذج الآخر، فهو مختلف ، قليلاً ، في ضروب الفتن ، التي يعشقها ، وتجري في دمه ! إنه يحبّ إثارة الفتن ، فيمن حوله ، من معارف ، وزملاء ، وأصدقاء.. ! كلّ سلوك يراه ، ممّن حوله ، يسعى إلى إثارة فتنة ، حوله ! كلّ حركة وسكنة ، وكلمة وإشارة ..يسعى ، إلى توظيفها، لتكون مادّة فتنة ، ضدّ جهة ما ! ثمّ يحاول ، أن يبتكر تفسيراً لها ؛ لتكون مقنعة ، لمن حوله ! فيقول ، مثلاً ، لواحد ، ممّن حوله : أرأيتَ كيف همس فلان ، في أذن فلان ، ثمّ خرج !؟

وحين يُسأل ، عن تفسيره ، لهذه الهمسة ، التي أثارته ، يجيب ، ببساطة ، وبلهجة العارف الخبير: إنهما كانا ، من فريق واحد ، قبل أربعين سنة ، ويبدو أنهما يخطّطان ، لشيء ما!

وإذا سئل : ماهذا الشيء ؟ يقول : لست متأكّداً ، بالضبط ، لكنّ وراء الأكمة ، ماوراءها !

وإذا ضحك أحدهم ، يبادر عاشقُ الفتن، مباشرة ، إلى تفسير ضحكته ؛ فيختلق لها سبباً،لايخطر على ذهن أحد! كأن يقول : إنه فرحَ ، لموت فلان ! ويجب ، بالطبع، أن يكون فلان، المّيت ، محبوبا، أومحترماً، لدى السامعين، كي يكون ، لإثارة الفتنة ، في نفوسهم ، معنى وقيمة ! وهكذا.. !

فكيف يعالَج ، هذا النوع ، من الأمراض النفسية ، إذا كان يجري ، مجرى الدم ، في عروق أصحاب.. وإذا كانوا، هم ، ممّن يتغنّون ، بالأخلاق الحميدة ، ويحضّون الناس عليها ؟

وسوم: العدد 810