رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً ...

ورد هذا الدعاء في القرآن الكريم في سياقين ، الأول في سورة يونس / 85 / " رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ". والثاني في سورة الممتحنة / 5 / " رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا.."

وفي كلتا الآيتين يتوجه الدعاء إلى الله بتجنيب المسلم المحنة ، وأن يكون عرضة لنقمة الظالمين والكافرين الذين الأصل فيهم العدوان والظلم وانتهاك كرامة الإنسان ، وتعريضه للبلاء حتى ؛ يردوا المؤمن عن إيمانه والمسلم عن إسلامه . وكان لهذه الفتنة قصص طويلة في تاريخ الدعوات ..

وفي السياق كنا نسمع دعاء من مشايخنا في الزمان الأول يسألون الله أن يلقوه : لا فاتنين ولا مفتونين ..

ولا بد أن تهزنا كلمة " فاتنين " فهل يتصور أن يتلبس المسلم المؤمن بدور " الفاتن " الذي يعدو على أجساد الناس وعلى أرزاقهم وعلى مقدراتهم الوجودية والضرورية والحاجية ليفتنهم عن دين أو عن عقيدة أو عن رأي أو عن علم ؟! وإلا كيف يمكن أن يكون المسلم ، ولاسيما العالم من المسلمين فاتنا ، شاهدا سلبيا على شريعة الله ودينه وكتابه ..؟!

ثم ظهر لنا مما يعايشنا في هذا الزمان من تقلبات رجال قال عنهم رسول الله " يكون في آخر الزمان رجال ، يختلون الدنيا بالدين ، يلبسون للناس جلود الضأن من اللين ، ألسنتهم أحلى من العسل ، وقلوبهم قلوب الذئاب . يقول الله تعالى : فبي حلفت لأبعثن على أولئك منهم فتنة تدع الحليم حيران "

يكون الرجل منهم ملء سمعك وبصرك عند الصباح ثم تسمع منهم عند المساء ما ينقض ما قالوه . تعايش الرجل منهم مؤملا فيه كل الخير في عصر ثم تراه ينكل في عصر آخر فينقض ما قدم ، ويهدم ما بنى ، ويحسّن ما كان يقبح ، ويقبح ما كان يحسن، فيكون في أمره فتنة عليك : آلخلل فيه أو في الشريعة التي يوقع عنها ، فتكون مبلبلا بين شك وإشفاق !!

هؤلاء الفاتنون الذين نبّأنا رسولنا من أخبارهم هم الذين جعلوا من أنفسهم " فتنة للذين آمنوا " فأخذت تهتز بأفعالهم وأقوالهم وفتاواهم ثقة الناس بدينها وشريعة ربها . واستسهل بعض المفتونين بهم الرد على كتاب الله والاعتراض على رسول الله في صيغة الرد على هؤلاء الفتانين الفاتين الذين لا يرجون لله وقارا  ..

عصر مربد كئيب جعلنا ندعو بحق ربنا لا تجعلنا فتنة للذين ظلموا .. ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا ..ربنا لا تجعلنا فتنة للذين آمنوا ...

واقبضنا إليك غير فاتنين ولا مفتونين ..

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 810