بين الفتح والاحتلال
تابعت ما غرد به أحدهم على حسابه في تويتر ما نصه: "احتل المسلمون الأندلس ثمانية قرون وعادت الأندلس لأهلها.. اصبروا.. لكل قوة زوال مهما الزمن طال".
وهي شبهة يثار نقعها بمثل هكذا عبارات وتحتها تكمن المساواة بين الفتوحات الإسلامية والاحتلال الغربي. لقد سجل القرآن الكريم من مبتداه إلى منتهاه مراحل الصراع المحتدم في كوكب الأرض بين الأنبياء وخصوم التوحيد، لأجل إقامته في الأرض ودفع أشكال الظلم والعدوان، وهذه الأمة التي هي آخر الأمم حملت وتحمل رسالة الهداية للبشرية وقد أوجز ربعي بن عامر تلك الخلاصة الرسالية حين شرح الهدف من قدومها: "ابتعثنا الله لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة الله رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام".
المسلمون هم حملة التوحيد ومهمتهم الموكلة إليهم من ربهم هي إخراج الناس من الظلمات إلى النور، ورفع المظالم عن سائر المظلومين، وتبليغ الرسالة للعالمين..ومن ثَمَّ فهو رؤية رسالية إلهية خالصة، تتعلق بالأفكار والعقائد والتصورات. ولا علاقة لها بالسطو والاستحواذ والأطماع والاستكبار في الأرض الذي حملت لافتاته حروب الصليب، ورايات المغول، وسفن الانكليز.
ولقد أسفر المسار التاريخي العام للحضارة الغربية لمن يجيد تتبع خرائطه عن سيادة (لغة القوة) التي نشاهد ريحها اليوم متخطيا حدود القيم العادلة والمبادئ الإنسانية عندما يتعلق الأمر بمصالحه اللحظية. أنجبت فلسفتهم البشرية تفسيرا دمويا يجعل الصراع قانونا عاما عارما للحياة، وطبيعة نوعية من طبائعها يقضي على الضعاف ويلتهم ما يملكون من ثروة، ويرى أن التخلص منهم عقيدة تسكن أفكاره فقد كان الملك (ليكورجوس) ملك إسبرطة يقتل الضعاف لعدم نفعهم، وقرر الفيلسوف الألماني (نيتشه) وزملائه مبدأ إبادة الضعاف، وقالوا: (الحضارة هي القضاء على العدل والأخلاق وترك العنان لطبيعتنا السافرة لتفعل ما تشاء ولو أن تسير على الجماجم، إن الأخلاق ليست إلا اختراع الضعفاء لكي يقيدوا بها سلطان الأقرياء فلنكن حربا على الأخلاق) كما يعبر أندريه في المشكلة الأخلاقية ص 32. وطبق ذلك الأمريكان الجدد حرفيا على السكان الأصليين، وعملت به مذابح الإبادات الجماعية الأوروبية ، ومحاكم التفتيش، حتى دعا الفيلسوف الفرنسي الدكتور (ألكسيس كارل)صاحب كتاب (الإنسان ذلك المجهول) عام 1912م والمستشرق الفرنسي المنصف (جوستاف لوبون) إلى اعتبار الأخلاق جزءً من الحضارة .
لقد جر المسلمون بفتوحاتهم الخير والعدل والرحمة لتلك البلدان التي فتحوها ولم يكن هدفهم جباية المال وسرقة المعادن وإفقار أهل تلك البلاد فعمروها أكثر مما عمرها أهلها، وحين احتل الفرنسيون شمال إفريقيا سرقوا ما به من ثروات لإعمار باريس ولم تصبح الجزائر قطعة من فرنسا، وهكذا فعل البريطانيون حين جابوا المشرق العربي وشبه القارة الهندية مفسدين.
وحتى شبه الجزيرة الأيبيرية (الأندلس) التي تتكون اليوم من (إسبانيا والبرتغال وأندورا ومنطقة جبل طارق). كانت أشباحا قبل وصول المسلمين إليها فشادوها وجعلوها عامرة بالعلم والمعرفة يشهد التأريخ به. ويقبع الفرق الجوهري في التصور الذي جاء به الإسلام ونظرته للكون والحياة والإنسان وهي الرؤية التي رسمها القرآن الكريم لمتبعيه، وكانت وصية أبي بكر الصديق ليزيد بن أبي سفيان في فتوح الشام تقول : "لا تقتلوا صبيا ، ولا امرأة ولا شيخا كبيرا ، ولا مريضا ، ولا راهبا ، ولا تقطعوا مثمرا ، ولا تخربوا عامرا ، ولا تذبحوا بعيرا ولا بقرة إلا لمأكل ، ولا تغرقوا نحلا ولا تحرقوه".
بينما تصور الحضارة الغربية مادي بشري أرضي بحت يقوم على المصلحة والالتهام والأطماع أولا، ويرسم أحلام السيطرة، وخيال الامبراطورية والدولة العظمى التي لاتغيب عنها الشمس.
وسوم: العدد 812