بين فشل مؤتمر وارسو ونجاح مؤتمر سوتشي

أكثر المعترضين على مؤتمر وارسو اعتراضاً لم يتوقّعوا له فشلاً كالذي حدث له فعلاً، مايك بومبيو وزير خارجية أمريكا دعا إلى مؤتمر عالمي ضد إيران، وكان ذلك خياره الثاني بعد أن فشل خياره الأول في أثناء زيارته الشرق أوسطية الأخيرة؛ حيث كانت فكرة المؤتمر مقتصرة على حشد عربي - شرق أوسطي- أمريكي يشارك فيه نتنياهو، ولكن تغيّر الخيار في أثناء زيارته تلك نفسها تحوّل إلى خيار دولي واسع يمهد للخيار الأول. واقتُرحت وارسو، ربما قبل استشارة حكومتها مكاناً للمؤتمر، وقد تلكأت في التحضير له.

صحيحٌ أن المؤتمر حشد وفقاً لإعلان منظميه حوالي سبعين دولة، من بينها دويلات جاءت وفودها من المحيط الهادئ والمحيط الأطلسي على حساب أمريكا، لزيادة العدد فقط، ولكن هذا الحشد جاء بأغلبيته الساحقة برؤساء وفود دون وزراء الخارجية.

أما الأهم فكانت معارضة أوروبا له وتمثيلها في الغالب بمستوى سفراء، عدا بريطانيا التي مثّلها وزير الخارجية، ولكن ببرود، كأنه جاء خجِلاً ليعوّض مقاطعة وزيرة الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني، وما صدر من اعتراضات فرنسية وألمانية وإيطالية؛ ولهذا اعتبر أكثر المحللين أن المؤتمر ولِد ميّتاً أو فاشلاً؛ وذلك بالرّغم من حضور نائب الرئيس الأمريكي مايك بِنس، بالإضافة إلى وزير الخارجية مايك بومبيو، وصهر الرئيس جاريد كوشنر.

على أن الفشل الأكبر بمستوى الفضيحة؛ فقد جاء لينحرف هدف المؤتمر من حشد ضدّ إيران إلى تسليط الأضواء على رئيس حكومة الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو، وهو يلتقي مع عدد وزراء الخارجية الخليجيين، المطبِّعين أصلاً؛ وذلك ليظهر كأنه أحدث اختراقات من خلال تلك اللقاءات مع عدد من الوزراء المعزولين عن شعوبهم، كما أظهرت التغريدات الصادرة عن سعوديين وبحرانيين وإماراتيين، ناهيك عن اليمنيينن، "المفاجأة" الوحيدة في إظهار وزير الخارجية خالد اليماني تودده لنتنياهو على مائدة عشاء.

باختصار بدا المؤتمر أشبه ما يكون بحفل انتخابي يروّج لنتنياهو في انتخاباته القادمة في إبريل/نيسان 2019. وقد غاب "التحالف" ضد إيران، بل حتى ما أُريدَ له أن يكون حشداً لإدانتها، كما تريد أمريكا.

جاء تحويل المؤتمر إلى خدمة أهداف نتنياهو الانتخابية؛ ليكشف مدى تواطؤ إدارة دونالد ترامب معه، وما تعقده من آمال على انتخابه مرّة أخرى رئيساً لوزراء حكومة "إسرائيل"؛ وذلك كدليل على انحطاط القدرات السياسية لكل من ترمب ونائبه ووزير خارجيته وصهره، كما انحطاط نتنياهو نفسه الذي جعل من معركته الانتخابية فوق ما عداها من سياسات وأهداف.

طبعاً هنيئاً بهذا الفشل الدبلوماسي الأمريكي-الصهيوني، ويا للعار الذي ظهر فيه الوزراء الخليجيون المطبّعون الذين استخدمهم نتنياهو للترويج له في انتخاباته القادمة! ولم يتنبهوا أنهم بهذا انحطّوا بأنفسهم وبحكوماتهم إلى حضيضٍ مشين!.

مقابل هذا الفشل لمؤتمر وارسو حقّق مؤتمر القمة الثلاثية الذي انعقد في سوتشي بين روسيا وتركيا وإيران نجاحاً ملحوظاً، وقد كلّل ما أرسته القمم الثلاثية السابقة من تعاون الدول الثلاث الأكثر تأثيراً ليس بالنسبة إلى سورية فحسب؛ وإنما أيضاً إلى سائر الوضع العربي- الإيراني- التركي ، المسمّى زوراً بـ "الشرق الأوسط".

طبعاً ثمّة إشكال عربي في عدم مشاركة طرف عربي إلى جانب إيران وتركيا في العلاقة مع روسيا عند مناقشة مستقبل المنطقة، وما يجب أن يسودها من نظام بين دولها؛ وذلك بعد انهيار النظام الذي ساد بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية، واتسم بسيطرة الغرب الإمبريالي وبالدول التابعة، وبإقامة الكيان الصهيوني.

على أن انعقاد هذه القمة الثلاثية في ظروف الأزمات التي عاشتها المنطقة العربية-الإسلامية خلال السنوات الماضية يشكّل عنصراً إيجابياً مقابلاً للسياسات الأمريكية-الصهيونية.

وما انعقاد مؤتمر وارسو من جهة، وانعقاد مؤتمر سوتشي من جهة ثانية، إلاّ الدليل على ما يواجه المنطقة من تحديات وصراعات، كما أن فشل مؤتمر وارسو وما حققه مؤتمر سوتشي من تقدّم جديد في التفاهم بين أطرافه الثلاثة يعطي مؤشراً على فشل ما يسمّى بـ "صفقة القرن"، وما ستصيبه من نجاح مناهضة السياسات الأمريكية-الصهيونية.

إنها مرحلة جديدة في توزّع القوى وعلاقاتها ببعضها، مرحلة جديدة فيما ينتظرها من تحالفات أو محاولة تحالفات، وإن كانت التحالفات ستكون أقرب للتقاطعات منها للأحلاف التي عرفتها المراحل الماضية.

وسوم: العدد 812