ما هي المهام الحقيقية للجيوش العربية؟

ما هي المهام الحقيقية للجيوش العربية؟

وهل هي (معنا أم علينا)؟

طريف يوسف آغا

[email protected]

 تعتبر المؤسسة العسكرية في البلدان الديمقراطية، كغيرها من بقية المؤسسات الحكومية من صناعية وزراعية وثقافية، تعتبر مؤسسة تتبع تعليمات القيادة السياسية للبلد المتمثلة بالحكومة والتي تنفذ الخطة المنتخبة من أجلها، وبحيث يشرف البرلمان على مسار التنفيذ. أما في الدول الديكتاتورية، كالدول العربية، فالأمر مختلف 180 درجة، حيث المؤسسة العسكرية هي الحاكمة وهي التي تسير البلد حسب مصالح رئيسها وجنرالات جيشها ومخابراتها، ومستعدة لحرقه وتدميره دون أي شعور بالذنب.

 بعد انتهاء عصر مايسمى بالاستعمار القديم بعد الحرب العالمية الثانية، وجدت الدول الاستعمارية التقليدية، مثل انكلترا وفرنسا وغيرهما، أن سحب جيوشها من المستعمرات وتوكيلها لجيوش محلية برئاسة جنرالات يحملون أسماء وطنية، ولكن يحمون مصالحها، وجدت أنها تتخلص بذلك من اللقب الكريه للاستعمار بتحميلها مسؤولية المهام القذرة لغيرها من جهة، وتوفير ضحايا جيشها الذين كانوا يسقطون في مواجهة الثورات الوطنية من جهة ثانية. وإذا نظرنا إلى الجيوش العربية منذ نشأتها بعد الاستقلال إلى اليوم، وإلى مدى سيطرتها على مقادير الأمور في بلدانها، لما وجدنا أي بلد يشذ عن ذلك، بل وجدنا أن المهمة الوحيدة لهذه الجيوش هي الدفاع عن أنظمتها الديكتاتورية والتي قسم منها موكل بحماية مصالح الغرب والقسم الآخر بحماية (أمن وأمان) ربيبته إسرائيل. أما في الحالات التي نشبت فيها حروب، كحرب حزيران عام 1967 وغزو العراق عام 2003 مثلاً، فما كان أسرع من هذه الجيوش إلى الهزيمة. وهذا يدل على أنها مدربة ومهيئة أساساً لقتال شعوبها وخوض حروب شوارع فقط، وليس لمواجهة جيوش نظامية وخوض حروب حقيقية. ولاتشذ عن ذلك حرب ومجازر الجيش السوري في لبنان وأيضاً ضد شعبه في مدينة حماة وغيرها عام 1982، وحالياً بعد نشوب الثورة المباركة عام 2011 حتى اليوم. وينطبق ذلك أيضاً على مجزرة الجيش العراقي الكيماوية ضد مواطنيه الأكراد عام 1988، وعلى حرب ومجازر الجيش الجزائري ضد شعبه في التسعينيات، والجيش السوداني ضد شعبه في الجنوب وفي دارفور خلال العقد الماضي، والجيش الليبيي ضد شعبه الثائر عام 2011، والجيش المصري على الرئيس المنتخب عام 2013 وغيرها.

 قد يقول قائل هنا أن الجيش المصري ربما قد شذ عن تلك القاعدة حين خاض حرب تشرين عام 1973 وعبر قناة السويس. أرد على ذلك بأن العالمين ببواطن يعرفون بأن تلك الحرب ماكانت إلا حرباً (تحريكية) لبدء عملية السلام، كما جاء في مذكرات (الشاذلي) رئيس أركان الجيش المصري حينها. وأنها أيضاً، وكما جاء في مذكرات رئيسة وزراء إسرائيل السابقة (غولدا مائير)، كانت حرباً (تأديبية) وبمعرفة أمريكا أراد منها الرئيس (نيكسون) حينها تلقين إسرائيل (المتمردة على داعميها) درساً بأنها لاتساوي شيئاً بدون بلاده، مما كلفه فيما بعد طرده من البيت الأبيض إثر فضيحة وترغيت. أما عن حرب الثمانية سنوات التي خاضها الجيش العراقي ضد إيران، فأولاً لم يكن الهدف منها الدفاع عن الأمة العربية نيابة عن العرب كما أشيع بقدر ماكانت نيابة عن أمريكا لتقليم أظافر نظام الملالي الجديد بتدمير القوة العسكرية الهائلة التي ورثها الخميني من الشاه المخلوع وانتقاماً لاحتلال السفارة الأمريكية في طهران عام 1979. وثانياً فقد كان الهدف منها أيضاً تدمير القدرات الهائلة لبلد عربي غني كالعراق حيث اعترف (صدام حسين) بعد اعتقاله بأنه أخطأ بشن تلك الحرب لأنها لم تكن حربه ولم تكن من مصلحة بلده. أما ثالثاً وأخيراً، فلم يكن الجيش العراقي ليصمد كل هذه المدة لولا أن زودته أمريكا بالسلاح الكيماوي لايقاف زحف الموجات البشرية التي كانت تنطلق متقدمة باتجاهه بعشرات الآلاف ومفاتيح الجنة معلقة برقاب مقاتليها.

 هذا العرض السريع والمختصر لأهم المواقف في تاريخ الجيوش العربية بعد الاستقلال يصل بنا إلى نتيجة في غاية الأهمية، وهي أن (عدم وجود الجيوش العربية أفضل بكثير من وجودها) لأنها لاتمثل (حماة الديار) الساهرين على حماية الحدود، وإنما موجودة لمحاربة الشعب فيما إذا أراد ان يتمرد على حكامه المستبدين والذين تمت مباركة تعيينهم من قبل الغرب للسبب الذي أوضحته سابقاً. قد يسأل الواحد هنا: حسناً، إذا تم حل كافة الجيوش العربية، فمن يتولى الدفاع عن الحدود فيما إذا تم غزوها من الخارج؟ الجواب في غاية البساطة، فالدولة التي تفكر في غزو دولة اخرى، ماكانت لتفكر في ذلك لولا أنها تثق بتفوقها على جيش تلك الدولة، وبالتالي لاتخشاه. أما ماتخشاه هنا فعلاً فهو شعب تلك الدولة. خير دليل على ذلك أن إسرائيل في حرب حزيران كانت قادرة عسكرياً على الدخول إلى دمشق وعمان والقاهرة، ولكنها لم تفعل ذلك لأنها غير قادرة على مواجهة المقاومة الشعبية التي ستتشكل لمحاربتها. فالغزاة عادة يحسبون حساب الشعوب أكثر بكثير من حساب الجيوش، والتجربة الفرنسية في سورية والأمريكية في فيتنام والسوفيتية في أفغانستان لخير أمثلة على ذلك. وقد ذكرت في مقال سابق بأنه لو الأمر بيدي، فأول شئ أفعله هو حل الجيش وتوفير كلفته المقتطعة من رقبة الشعب.

 إن إطلاق تسمية (الجيوش) على جيوش الأنظمة الديكتاتورية عموماً والعربية خصوصاً فيه ظلم لهذه التسمية، لأنها أقرب إلى العصابات المسلحة أو المرتزقة منها إلى أي شئ آخر، وبالتالي ينطبق عليها المثل الشعبي القائل (حاميها حراميها)، وأضيف لها من عندي أيضاً لقب (حاكمها قاتلها).