مرتزقة الإعلام

مرتزقة الإعلام

ياسر أبو الريش

كاتب صحفي وباحث سياسي

إن حرية التعبير شرط أساسي للإعلام الناجح وهي مكسب حضاري وجزء لا يتجزأ من الحريات الأساسية المنصوص عليها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ولكن في مصرنا الحبيبة تخطى الأمر حرية التعبير وأصبح سيلان القنوات الفضائية يجر المشاهد الى هاوية الفوضى الفكريه والأخلاقية والاجتماعية.

وسقطت ورقة التوت التي كان يغطي بها الاعلام المصري عوراته العديدة حينما أصبح كاثوليكيا أكثر من البابا نفسه، بعد أن حشد جيش الاعلاميين الذين يتصدرون الشاشات طاقاتهم لتميجد شخص واحد بل ووصل الأمر في احيانا كثيرة لتحويله إلى إله وفي احسن الأحوال رسولا.

وفي حرية الفوضى الفضائية تحولت مفاهيم المواد الاعلامية المطروحة من مواد تركز على التنمية وبناء الدولة وتوطيد فكرة المواطنة والانتماء للوطن والدعوة الى الحوار والتثقيف والارتقاء بعقل المواطن إلى هدم أهم اركان الدولة واقصاء كل مخالف للرأي إلى ان وصلت البلاد إلى "نحن شعب وأنتم شعب".

وبين ضجيج الفضاء الاعلامي وشغف الشعب بوسائل الاعلام أكدت صحيفة "الجورنال" الإيطالية، أن الإعلام المصري بمختلف أنواعه يربك الشعب بشكل كبير- بانحيازه المستمر لطرف معين ضد الآخر- ما يجعله مشتتًا، وأضافت الصحيفة، أن طبيعة الشعب المصري أنه يستمع جيدا إلى وسائل الإعلام المرئية والمسموعة لمعرفة ما يحدث في بلاده عن طريق القنوات المختلفة، ولكن بعض القنوات لم تستغل شغف المواطن بشكل سليم وتحويله إلى طاقة إيجابية يستطيع من خلالها بناء وطنه، بل تقوم بتقسيم الشعب واستغلال الفجوة السياسية بين أطراف المجتمع الواحد لصالح طرف معين، مما يؤدي إلى خلق حالة من العنف في الشارع المصري.وأوضحت أن وسائل الإعلام المصرية بمختلف أنواعها مقروءة ومسموعة ومرئية تتسم بانعدام الحيادية، وتسعى دائما للانخراط وراء الجهات الحاكمة على حساب الشعب المصري.

بدورها اعتبرت دوائر استراتيجية مصرية أن الإعلام المصري أصبح خطرا على الامن القومي، وظهر ذلك بعد انتقاد اللواء حمدى بخيت، الخبير العسكري، للإعلام المصري في مداخلة تليفونية في احد برامج التوك شو حيث قال أن "الإعلام المصري أصبح يهدد الأمن القومي بكل المقاييس".

الامر لم يقتصر على ذلك بل شهد شاهد من أهلها حيث دعا الاعلامي عمرو أديب، إلى اغلاق وسائل الاعلام المصرية لكي ينصلح الحال وقال أديب " إن الحل لإصلاح حال مصر هو إغلاق الإعلام، رغم أنه لا يصنع الخبر ولكنه ينقله، فلا يوجد ميثاق شرف إعلامي، في حين اشارت المذيعة جيهان منصور انه لا مجال للحياد في أوقات معينة، لافتة إلى أن ذكاء المشاهد هو الذي سيدفعه للفرز الاتوماتيكي لكل الاعلاميين على الساحة.

وفي ظل إنفلات الحبل على الغارب وغياب الرقابة وانتشار المال السياسي وجد مرتزقة الاعلام ضالتهم في غرائز المشاهد وشغفه بالفضاء الاعلامي لتحقيق مآربهم التي فعلت آفاعيلها بالوطن ومزقته شر تمزيق.

إن هؤلاء المتباكين على مصر هم أول من أضاعوها، هؤلاء المتشدقون بحقوق الانسان هم أول من ساهموا بقتل الانسان نفسه وضياع حقوقه، هؤلاء المتظاهرين بالدعوة للحوار والتعايش رغم اختلاف الافكار والتوجهات هم اول من قاموا باقصاء من خالفهم في الرأي وحرضوا لزجه في غيابات السجون أو قتله.

عزيزي المشاهد أرجو ألا تترك عقلك فريسة لهكذا اعلام، وأحترس ممن يضع لك السم في العسل، وحاول تحري الصدق فيما تقرأه او تشاهده أو تسمعه، ولا تصدق كل من يدعي الحياد الإعلامي فلقد أصبح في ظل المال السياسي والاجندات السياسية  ومحاولات التربح شئ من الخيال.

وقفة:

ذات يوم قال القائد الالماني هتلر..اعطني اعلاما بلا ضمير اعطك شعبا بلا هوية...فهل هويتنا على وشك الضياع ام أنها ضاعت فعلا؟