كيف نقرأ التغطية الاعلامية لهجوم نيوزيلاندا؟
الملاحظة الأبرز التي يتم تداولها، هي غياب توصيف " إرهاب وإرهابي"، حين لا تكون جنسية المنفذ عربية.وعلى الرغم من صحة ذلك، الا أن المسألة أعمق وأبعد من هذه الملاحظة، وربما يمكننا تلخيص بعض الملاحظات بشكل سريع ومختصر في النقاط التالية:
أولا: حجم التغطية:
- على الرغم من حجم الحدث المهول وطبيعته، من حيث عدد الضحايا وكيفية تنفيذ العملية، بشكل استعراضي مقزز وبدم بارد، إلا أن غالبية وسائل الإعلام الغربية وحتى العربية لم تخصص موجات تغطية مفتوحة أو برامج إخبارية خاصة، مما يمنع هذه العملية بأن تصبح قضية رأي عام دولي. وفي الإعلام هنالك فرق كبير بين " حدث رئيسي"، وبين قضية رأي عام، وقضية رأي عام دولي
- وحتى في التغطية المكتوبة، هنالك غياب واضح جدا للتفاصيل، فالمنفذ فجأة وصل مكان العملية وفجأة اختفى. ولكن كيف وصل؟ من أين انطلق؟ كيف غادر؟ أين ذهب؟ كيف أعد للعملية؟ كم استغرق التخطيط والتنفيذ؟ كل هذه التفاصيل التي غالبا " ما تثير شهية" الجمهور المتابع، وتربطه بالحدث وتفرضه على أجندته غائبة. والذي يحصل في هكذا حالة، أن الفرد منا سرعان ما يتوقف عن المتابعة لانه يجدها تكرار ودون تفاصيل مثيرة، وهذا يساعد في " موت الحدث إعلاميا" في أقصر مدة زمنية ممكنة، ربما خلال 24 ساعة، على عكس الأحداث الأخرى كهجوم " شارلي ايبدو" الذي يستمر كقضية رأي عام لأسابيع
- ثانيا: طبيعة التغطية:
- الضحية في الظل: لا يوجد حتى الان في معظم التغطيات اية قصص إنسانية حول من وقعت بحقهم الجريمة. من هم الذين قتلوا؟ ما هي أعمارهم؟ هل بينهم أطفال؟ هل أحدهم اتصل بزوجته قبل العملية بدقائق وقال لها لن أتأخر؟ هل رأينا أية صورة لإحدى الضحايا مع عائلتها أو أطفالها؟ كل هذه التفاصيل الإنسانية التي يبرع الإعلام الغربي برصدها، وينقلها عنه الإعلام العربي عندما تكون جنسية المنفذ عربية، غائبة عن هذا الحدث. وهذا الأسلوب المتمثل في تغييب الجانب الإنساني، يتكامل مع أسلوب " حجم التغطية" الذي ذكرناه أعلاه، لتكون النتيجة تبسيط الحدث وحصر الاهتمام به في أضيق نطاق وأقصر مدة
- تغطية حدثية دون تحليل، فمعظم التقارير والتغطيات عبارة عن نقل مباشر للحدث، دون محاولة تفسيره ورصد أسبابه وتداعياته. وهو ما يجعل من هذا الهجوم مجرد " قاتل وضحية"، بمعزل عن السياق الاجتماعي السياسي، وهو ما يعفي الإعلام من طرح سؤال جوهري: لماذا يقع مثل هذا الحادث؟ من هو المسؤول؟ وما هي تداعيات هذه الجريمة مستقبلا على من نفذت بحقهم؟ وهذه نقطة توصلنا الى النقطة التالية
- المنفذ مجرد شخص، على الرغم من أن المنفذ أعلن عن نفسه، وقام ببث الجريمة مباشرة، إلا أن غالبية وسائل الإعلام استخدمت مصطلح " المنفذ المحتمل" أو " المنفذ المشتبه به"، إلى جانب أنها لم تربط فعله بجنسيته وأصوله، وهكذا يصبح المنفذ مجرد شخص لا يعبر بالضرورة عن ثقافة مجتمعه ولا عن خطاب كراهية أو عن عنصرية مجتمع؟ بينما في حالة الهجوم على صحيفة " شارلي ايبدو"، طرح السؤال مباشرة حول طبيعة الثقافة العربية، وتم في التغطية انذاك إقحام مفاهيم جوهرية كالدين والاندماج والتخلف والتربية...الخ ، وبالتالي لم يكن في هذه الحالة المنفذ مجرد فرد، وإنما هو قد يعبر عن ثقافة وخطاب. ولذلك أيضا، لم ولن يتم التطرق لعائلة المنفذ أو طفولته او تربيته، على عكس ما يحصل في حالة المنفذ عربي
- الحدث والقيم، غالبا يتم تصوير الهجوم الإرهابي الذي ينفذه عربي في دولة غربية، على انه استهداف لقيم الديمقراطية والحرية. ولكن عندما يكون المنفذ غربي، لا يكون هنالك تداعيات للحدث على القيم الإنسانية، وهو ما يتكامل مع أسلوب " التغطية الحدثية دون تحليل" الذي ذكرناه سابقا.
وسوم: العدد 816