الحُبُ المَفْقودُ.. وَ اختِلالُ أمْنِ المُجْتَمعاتِ
كان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه .. يتناوب وجارٍ له على حضور مجلس رسول الله سيَّدنا ونبينَّا محمد صلى الله عليه وسلم . وذات يوم عاد جاره الصحابي رضي الله عنه متجهم الوجه.. فسأله عمر رضي الله عنه وما وراءك يا أخي..؟ فقال: إنَّ الأمر لجللٌ يا أبا حفص..! فقال عمر: وهل جاءت غسان..؟(كانت دولة الغساسنة في الشام تتوعد بغزو دولة الإسلام في المدينة المنورة) فقال الصحابي: لا.. بل الأمر أعظم وأجل! قال عمر: وما ذاك يا أخي ..؟ قال: لقد طلَّق رسول الله أزواجه ..! قال عمر: أو قد كان ..؟ ونهض يهرول حاملاً نَعْليه بيديه لم يمهله هولُ الخبر أن ينتعلهما.. أجل إن اهتزاز استقرار البيت المسلم بعامة.. واهتزاز استقرار بيت القيادة المسلمة العليا بخاصة.. أجلُّ وأعظم هولاً وخطراً على الدولة من أن تغزوها دولة وتهدد أمنها وسيادتها واستقرارها.. تأمل معي يا أخي قول عمر: "وهل جاءت غسان ..؟؟؟!!!" وتأمل قول الصحابي رضي الله عنه: لا يا أخي.. بل الأمر أعظم وأجل ..!!!" والقرآن الكريم يؤكد ويؤصل هذه المعاني من قيمة تماسك المجتمع واستقراره بقوله تعالى: "إنَّ الذين يُبَايعونك إنَّما يٌبايعون اللهَ " وفي قوله تعالى: "أحبوني يحببكم الله" فمع وشائح العلاقة الصادقة في ( بيت الأسرة وبيت الدولة) تنبت شجرة المودة والرحمة التي تغذي وتعزز متانة وحدة المجتمع وسيادته.. وتبعث في نفوس أجياله الثقة وتؤسس لهم سبل التآخي والتعاون والتنافس لبناء الحياة.. وإرساء أسس السيادة والقوة والمنعة لأوطانهم.. وقد أكد رسول الهدى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم قيمة قُدْسيَّة ترابط القيادة بالمجتمع في حديثه الذي رواه البيهقي: "كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ آخِذٌ بِيَدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ.. فَقَالَ له عُمَرُ رضي الله عنه: وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ لأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِلا نَفْسِي.. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ :"لا.. وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ نَفْسِكِ.. قَالَ عُمَرُ: فَأَنْتَ الآنَ وَاللَّهِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي.. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ :الآنَ يَا عُمَرُ" وبعد.. كيف تستعيد المجتمعات هذا الحب المتبادل المفقود بين الراعي والرعيَّة ..؟ بكل تأكيد يوم يتجدد منهاج النبوة في أداء القيادة .. ويوم يتجدد ويتكرر أنموذج عمر بن الخطاب في الرعية الصالحة.. ولكن كيف..؟ إنَّه التحدي الأكبر بناءُ الإنْسَانِ.
وسوم: العدد 817