هؤلاء نحن ربيناهم ... الآخرون كانوا تربيتكم أنتم..
هناك حقيقة يلاحظها من يتابعون الأحداث في أوروبا، وهي أن الجيل الأول من المهاجرين الذين جاؤوا إلى أوروبا كانوا بعيدين عن العنف والجرائم والارهاب.
وأن الذين تورطوا في هذه الجرائم كانوا من الجيل الثاني أو الثالث. تلك الأجيال التي نشأت في أوروبا وتتكلم لغاتها كلغات أم، ودخلت مدارسها وعملت فيها.
ويسوق القوميون الأوروبيون هذا الأمر على أنه دليل على رفض الجاليات العربية والمسلمة الاندماج في مجتمعاتها ورفض لقيم أوروبا ومبادئها..
وتفسير هذه الظاهرة لا يقتصر على أن الجيل الأول جاء يؤسس مستقبله وأنه كان مشغولاً بتثبيت نفسه في البلاد الجديدة وأنه كان يعيش حياته بانتظار العودة الى بلاده..
الأمور أعمق من هذا التفسير، الذي هو صحيح جزئياً لكنه غير كاف، فالقادمون الأولون كان مشبعين بروح الشرق المليئ بالتنوع الديني والثقافي الموروث منذ مئات السنين..
أما الجيل الثاني فقد نشأ في أوروبا التي أنشأت دولاً قومية قامت بالتضييق على كل مخالف لعقائدها ومبادئها بل على سحقه. ثم قامت في القرن الماضي بتأسيس وحدة أوروبية براقة المبادئ، لكنها لم تنجح في ردم العصبيات القومية والدينية القديمة.
الجيل الأول كان معتاداً على التنوع فلم يستغربه ولم يضق به. لذلك فحتى من يأتون اليوم للعمل أو الدراسة في أوروبا هم أبعد عن التطرف من الجيل الناشيء فيها..
أما الجيل الثاني فقد عاش في أفق يضيق بالمخالف ويحتقره، وذاق مرارة العنصرية والانعزال في أحياء مزرية، وحُرم من فرص العمل لأسباب عنصرية، وتمّ التضييق عليه من المجتمع، دون ان تنصفه الدولة وتحميه.
لأجل هذا كان صيداً سهلاً لأفكار التطرف والانعزال..
هذه الأجيال لم تحسن أوروبا إدماجها وبقيت تعطيها الانطباع بأنها ستبقى غريبة مهما صنعت، وأن مسألةً، مثل الاسم الأجنبي، كفيل بتعطيل مستقبل الشاب، مهما كانت كفاءاته.
ببساطة شديدة، هذا هو الفارق بين من تربوا في بلادنا وبين من تربوا في البلاد الأوروبية..
وسوم: العدد 818