صفقة القرن مرة أخرى
فيما لم تعلن الإدارة الأمريكية عن مشروع يسمى "صفقة القرن" بعد، فإن الحديث كثر عن هذه الصفقة حتى باتت الشغل الشاغل في المنطقة خصوصاً في ضوء الإجراءات الإسرائيلية أحادية الجانب التي قد تؤدي إلى تفجر غضب شعبي عارم.
نُشِر على لسان الرئيس الأمريكي دونالد ترمب أنه يريد عقد "صفقة نهائية" لإنهاء الصراع في منطقة الشرق الأوسط. ويقصد الصراع الفلسطيني- "الإسرائيلي"، والعربي- "الإسرائيلي". وتبرع الرئيس المصري من جانبه بترجمة "صفقة نهائية" إلى "صفقة القرن" فشاعت الأخيرة، وتبناها الرئيس الأمريكي نفسه. وكذلك أشاع من تناولها وعلق عليها، وأصبح لدينا مشروع اسمه "صفقة القرن".
على أن هذا المشروع بقي غير مُعلن رسمياً. هذا إن كان موجوداً بالأصل أو بعضاً منه. طبعاً لا بد من أن يكون المطبخ الذي كُلف بإعداده قد تداول بعض الأفكار حوله. ولكن لم يُعلن بند واحد من بنوده المفترضة. وقد وُعد قبل أكثر من سنة أن يُعلن المشروع. ولكنه أُجل المرة بعد الأخرى حتى رسا الإعلان على نهاية الشهر الذي ستجري فيه الانتخابات "الإسرائيلية"، ثم أعلن 15 أيار موعداً.
باختصار حتى اليوم لم يقع بأيدي أحد، بمن في ذلك الحكومة الصهيونية، شيء اسمه مشروع "صفقة القرن"، ومع ذلك ما أكثر الذين راحوا يتحدثون عن "صفقة القرن"، إما كمشروع في طريقه للتحقق، وإما كمشروع يستهدف تصفية القضية الفلسطينية، ويجب إعلان رفضه، والعمل على إسقاطه.
ومن ثم كان اتجاه الأغلبية من المتواطئين مع المشروع، أو من المناضلين سلفاً ضد المشروع، هو عدم الانتظار إلى أن يبيض "الديك" الأمريكي. ويصبح المشروع مكتوباً أسود على أبيض، كما يقولون. فيؤخذ منه الموقف على بينة، وبلا تكهنات وافتراضات وتوقعات تُقدم على أساس أنها هي المشروع بالذات.
فعلى سبيل المثال عقدت ندوة، ولا حاجة إلى ذكر أصحابها، ومكانها، تناول المشاركون فيها "صفقة القرن" باعتبارها السياسات التي يعلنها الرئيس الأمريكي، أو نائبه، أو وزير خارجيته، أو المكلفان بالملف جيراد كوشنر وجيسون غرينبلات. ثم توقعوا "صفقة القرن" استناداً إلى تلك السياسات. ولكنهم لم يلحظوا أن كل تلك السياسات رفضت من قبل كل المعنيين وغير المعنيين فيها من فلسطينيين وعرب ومسلمين، وكذلك من غالبية دول العالم بما فيها الاتحاد الأوروبي. وبناء عليه يكون ما سيُعلن من "صفقة القرن" مرفوضاً وفاشلاً سلفاً.
فهذا الموقف الرافض كان أيضا من إعلان ترمب اعتبار القدس كل القدس عاصمة لدولة "إسرائيل"، ونقل السفارة إليها. فلم يوافقه أحد من الطرف الفلسطيني، فرداً أو فصيلاً، أو سلطة. ولم يوافقه اجتماع عربي (قرار جامعة عربية، وقمة عربية)، أو دولة، على ذلك وهو موقف منظمة التعاون الإسلامي أيضاً. بل أُعلن موقف حازم مضاد له حول القدس، وضد نقل السفارة الأمريكية إليها.
وقد تكرر الأمر نفسه حين أعلن دونالد ترمب وقف مساهمات أمريكا المالية في موازنة وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين. هذا، وقوبلت سياسة ترمب، أيضاً، برفض قوي، وباستنكار أشد عربياً وإسلامياً وعالمياً عندما أعلن اعتبار الجولان جزءاً من "أرض إسرائيل"، وليس أرضاً سورية عربية محتلة.
وبهذا تكون "صفقة القرن" مرفوضة ومعزولة، قبل أن تُعلن، ولم يبق من جديد آخر محتمل غير تأكيد التنصل من الموقف الأمريكي السابق الرسمي حول "حل الدولتين"، واقتراح إقامة "دولة فلسطينية"، أو وطن فلسطيني خارج "أرض إسرائيل"، أي خارج الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة.
وهنا تتراوح التكهنات بين أن تكون في سيناء، أو في الأردن توطيناً، أو وطناً بديلاً. أما التشجيع على قبول هذه التصفية الإجرامية للقضية الفلسطينية فهي بضع مئات من مليارات الدولارات تُدفع من جيوب دول الخليج. .
هذا ناهيك عما سيتولد عن إعلان مثل هذا المشروع من غضب شعبي فلسطيني يشمل القدس والضفة الغربية وقطاع غزة، وكل تواجد فلسطيني داخل فلسطين وخارجها. وسيكون مدعوماً بغضب شعبي عربي وإسلامي، وبرأي عام عالمي واسع كذلك.
فما يُسمى"صفقة القرن" لن يحكم عليها بالفشل من حيث ردود الفعل الرسمية فلسطينياً وعربياً وإسلامياً وعالمياً فحسب، وإنما أيضاً سوف تكون مناسبة لتفجر غضب شعبي عارم فلسطيني أولاً وعربي وإسلامي ثانياً. يجعل القضية الفلسطينية بعد إعلان "صفقة القرن"، إن أعلنت، غير ما هي عليه الآن. وسيكون مصير الاحتلال والاستيطان في القدس والضفة الغربية تحت رحمة انتفاضة شاملة توّحد الصف الفلسطيني، وتجعل الأرض تميد تحت الاحتلال والاستيطان الصهيونيين.
وسوم: العدد 819