الإسلاموفوبيا الدولية والديمقراطيات المتوافقة مع الفاشية
"إن تطور تيار الإسلاموفوبيا واكتسابه جانبا مؤسسيا هذه الأيام يبرهن على أن هذا التطور ليس مقتصرا على مناطق بعينها وحسب. ويمكن للإسلاموفوبيا أن تظهر في الأماكن التي يمثل فيها المسلمون أقلية والأماكن التي لا يعيشون فيها سوى في الذكريات والأماكن التي لا يوجد بها مسلمون أصلا بل وحتى الأماكن التي يشكلون فيها الأغلبية. يرى معظم من يحللون دراسات الإسلاموفوبيا أنها تعتبر عملية تلاعب إعلامي أو أداة للسيطرة على الأقليات في بعض المناطق. فهم يبسطون مفهوم الإسلاموفوبيا على أنه جملة المواقف والأفعال المعادية للمسلمين أو التصنيف النظري الذي يمجد الذين يستهدفون المسلمين بالسوء. بيد أن نظرة كهذه تميل أكثر إلى ترجمة هذا المصطلح – بطريقة ما – في نهاية المطاف على أنه رد فعل للتصرفات الخاطئة التي يقدم عليها المسلمون. وفي الواقع يجب تناول قضية عولمة الإسلاموفوبيا من خلال مقاربة جيوسياسية تدرك أن هذه القضية تعتبر موضوعا للعلاقات الدولية الساعية لإعادة تشكيل النظام الدولي المعاصر".
قائل هذه العبارات هو الكاتب سلمان سيد مؤلف كتاب "الخوف من الأصولية: نهاية المركزية الأوروبية وميلاد الإسلاموية" الذي نشر قبل 20 عاما، وكتاب "استعادة الخلافة: تفكيك الاستعمار والنظام العالمي" الذي نشر قبل عامين. وقد ألقى الكاتب المعروف كلمة خلال الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الدولي الثاني للإسلاموفوبيا الذي عقده مركز الإسلام والعلاقات الدولية التابع لجامعة صباح الدين زعيم التركية الأسبوع المنصرم. ويعد ما قاله سيد خلال كلمته تفسيرا جيدا لمظاهر الإسلاموفوبيا وممارستها اليوم والتي وصلت إلى حد مثير للدهشة من حيث العدد وطريقة الممارسة.
وأضاف سيد في معرض كلامه أن تطورا اسمه "الديمقراطية العالمية" لن يستطيع النظام العالمي اليوم الاعتراف بوجوده. فالغربيون يحبون الديمقراطية على أراضيهم، لكنهم يعتبرونها تهديدا صريحا لأنظمتهم إذا ما وجدت في البلدان الإسلامية أو دول أمريكا اللاتينية. فالأنظمة الديكتاتورية القابلة للتوجيه بالنسبة لهم تعتبر أنسب للدول الأخرى.
وتعتبر تركيا هي الدولة الوحيدة حاليا التي عجزوا عن السيطرة عليها بسبب ديمقراطيتها المتطورة في حين أنهم يأملون بسط نفوذهم عليها بالطريقة ذاتها ضمن نطاق النظام الدولي. كما أن لديهم الكثير من المشاكل مع أردوغان الذي يمثل الديمقراطية الصحيحة والصريحة الوحيدة في العالم الإسلامي، ولهذا السبب تحديدا فإنهم لا يعيشون أي مشاكل مع نظام السيسي الذي لا يعرف شيئا اسمه ديمقراطية ولا قواعد بل وينتهك حقوق الإنسان.
ولهذه فإنهم يطلقون حملات شعواء لتشويه سمعة أردوغان بصفته يمثل رأس الدولة الديمقراطية الوحيدة في العالم الإسلامي. واليوم نرى بوضوح أن الإسلاموفوبيا هو التيار الذي يقود هذه الحملات أو الأداة التي يستغلونها لإدارة هذه الحملات. فالإسلام – حقا – يخيفهم، لكن ليس بالتهديد ولا بالقتل أو التطرف، بل بإمكانياته الديمقراطية التي تتضمن دائما احتمالية تشكيل مشاكل بالنسبة للأنظمة في دولهم... وعليه، فإن للإسلاموفوبيا علاقة مباشرة بالجانب الجيوسياسي.
ربما تكون حقيقة مخيبة للآمال بشأن الديمقراطية، لكنها – أي الديمقراطية – لا تعطي الأولوية للحيلولة دون ارتكاب المذابح والممارسات الفاشية والعنصرية في الدول الأخرى غير الغربية. كما أنها تتوافق في أوروبا اليوم بامتياز مع الفاشية ومعاداة الأجانب.
كما أن الأحزاب المتطرفة، أفضل من يحسن استغلال خطابات الكراهية ضد المهاجرين، تحصل على الأفضلية في معظم الأحيان، إن لم يكن دائما، وتحتل مراتب متقدمة في الأنظمة الديمقراطية، كما أن تلك الأحزاب تستطيع الوصول إلى السلطة أو إيجاد شركاء لهم بها. وقد زاد كثيرا عدد النماذج التي يمكن سردها على هذا النوع من الديمقراطية في أوروبا اليوم.
فإذا كانت الديمقراطية تتوافق مع الفاشية ومعاداة الأجانب والاشتراكية وكل شيء لأنه ليس لها أي قيمة خاصة بها، فما يهتم يا ترى بالتساؤل الغريب حول إمكانية توافق الديمقراطية مع الإسلام؟
لا شك أن هذا التوجه لا ينفي الاحتياج للديمقراطية في العالم الإسلامي اليوم بوصفها طريقة للحكم والمشاركة السياسية وتداول السلطة وآلية صحية لمراقبة عمل مؤسسات الدولية. غير أنه يحكي لنا أن الديمقراطية وحدها لا تكفي دائما وأن علينا أن يكون لدينا الكثير غيرها.
وفي الواقع فإن استغلال الإسلاموفوبيا على هذا النحو له جانبا هادما للديمقراطيات الغربية ومنزلا للأقنعة التي يرتديها الزعماء الغربيون. ويشهد عالمنا اليوم المزيد من نماذج الإسلاموفوبيا التي يتزايد أعدادها بمرور الوقت. كما يمكننا أن نتوقع زيادة خطابات الإسلاموفوبيا وممارساتها في العالم الغربي كلما زادت المطالبات بالديمقراطية في العالم الإسلامي.
لا ريب أن هذا التعارض سيكون واحدا من أبرز مفارقات العالم في المستقبل. ذلك أنه، كما قال سيد، ما يقود إلى الإسلاموفوبيا ليست ارتكاب الأعمال الإرهابية باسم الإسلام، بل الطبيعة المدمرة والوحشية التي يمتاز بها أنصار هذا التيار المعادي للإسلام.
ذلك أن المنطق الذي يكسب الإسلاموفوبيا الأحقية سيبدأ بالعمل داخل النظام الديمقراطي ذاته. وتعتبر ردود الأفعال التي لم تظهر إزاء المجزرة الوحشية التي ارتكبت ضد المسلمين في نيوزلندا هي أحد تأثيرات اعتبار الإسلاموفوبيا أمرا عاديا بمرور الوقت بل ومشروعا بكل ما تحمله من نتائج.
وأود بهذه المناسبة الإشارة إلى نموذج تقليدي لما أقوله، وهو الدكتور محمد أبو صالحة الذي قتل ابنتاه وصهره في الولايات المتحدة قبل 4 سنوات والمعاملة التي تلقاها من قبل أعضاء الكونغرس الأمريكي بينما كان يسرد قبل أيام قلائل ما يجول بخاطره أمام لجنة العدل بالكونغرس كنموذج على "جرائم الكراهية والعنصرية البيضاء المتزايدة". وهي واقعة جديرة بالدراسة كنموذج منفصل لهذه المسألة. العبارات الجريئة والأسئلة التي وجهت إلى أب ملكوم في محاولة لتبرير ما اقترفه القاتل الذي أقدم على هذا الفعل الوحشي بصفته عدوا عنصريا للإسلام لم يتحمل أن يرى فتاتين ترتديان الحجاب...
لا شك أن ما حدث في الكونغرس يعتبر أشد بكثير من وقع المذبحة نفسها. وأريد الوقوف عند هذه الواقعة وتحليلها لتكون عبرة، لكن في مقال لاحق بإذن الله...
وسوم: العدد 820