الأزمة الاقتصادية في سورية أزمة ذاتية وليست حصاراً اقتصادياً
"قال ائتني بقلب أمك يافتى"
ما يعيشه السوريون من أزمات في بقايا " الدولة " التي يديرها بشار الأسد ليس إلا بدايات . وأزمة من لا يجد الرغيف ليملأ معدته أشد وأقسى من أزمة من لا يجد الوقود ليملأ سيارته . وإن كان اهتمام الرأي العام بالثاني أكثر وأشهر .
ولو أردت أن أكتب بقلم محايد وليس بقلم معارض ، وهو صعب عليّ ، لذكّرت بشار الأسد ولفيفه بحكاية ذلك الابن العاق ، الذي قيل له ائتنا بقلب أمك ففعل !!
أعلم أن بشار الأسد ليس ابنا لسورية ، وسورية ليست أما له ، ولكنه فعل عندما قيل له اقتل ودمر فقتل ودمر ، ثم تُرك الآن ليواجه أزمته ليس في دمشق وحمص وحماة وحلب فقط بل في عقر داره في القرداحة أيضا ، التي ظن بعض من ينتمي إليها أنهم منتصرون . وإذا كان بعض الناس اليوم يشكون من أزمة الوقود ، فقد شكا أناس قبلهم من أزمات وأزمات وستتبع أزمة الوقود هذه من بعد أزمات وأزمات.
والأزمات في الحقيقة ، بحسب تصنيفها أمنية أو أخلاقية أو اجتماعية أو اقتصادية أو تعليمية ، هي مخرج من مخرجات السياسات العامة المعتمدة من قبل أصحاب القرار يتخذونه تارة اختيارا وتارة اضطرارا . وكان قرار القتل والتدمير اختياريا أسديا بامتياز عبر الخبث وسوء الطوية وحجم الحقد والكراهية .
إن أي سوري منتم بحق إلى وطنه وإلى شعبه لا يمكن أن يفرح بالضائقة تصيب الناس الذين ينتمي إليهم ولو على طريقة الجبر لا الاختيار ، فأنت وأنا ونحن وهم سوريون ولا يد لنا في هذا الانتماء . وهو انتماء ينشئ بيننا نوعا من الرابطة الموضوعية والعاطفية ستجعلنا جميعا نتحسس الألم الشاعري في مثل عبارة بدر شاكر السياب ...
مطر ..مطر ..
وفي العراق جوع . ...
وتنفتح كلمة الجوع على المدى تحمل جناحيها حجم التناقض بين عراق الرافدين وبين الجوع المستشري في موطن الوفرة والخصب ومهد الإنسان
وإذا أنت تجاريه بالقول بل تزيد حين تقول : وفي الشام جوع ..وأي جوع ؟!
نحن نعلم أن بشار الأسد وعصابته المقربين لا يجوعون ..
وأنهم يجدون دائما الدواء لمرضاهم وأهلنا لا يجدون ..
وأنهم يجدون دائما الوقود لسياراتهم ولآلياتهم ودباباتهم ..
وأنهم يجدون الحشوة لبراميلهم ، يجدون حشوتها من إثم ومن كراهية ومن بارود ..
ونعلم أن هؤلاء الذين يعانون وسيعانون هم من المستضعفين الظالمين لأنفسهم ، كما سماهم القرآن الكريم ، وكم هو الفرق بين الذين يظلمون أنفسهم وبين الذين يظلمون الناس ؟!
فرق علينا أن ندركه وأن نتفهم ظروفه ودواعيه وأن نبني عليه أيضا في رؤيتنا وفي فقهنا وفي فكرنا .
يجب أن ندرك أن الأزمات التي تحيط ببقايا الدولة التي ما زال يتحكم بها بشار الأسد اليوم هي مخرج طبيعي لسياساته التدميرية ؛ إن أي دارس موضوعي يدرك أن انعكاسات السياسات الدموية والتدميربة التي انتهجها بشار الأسد سوف تستمر في التأثير في العقول والقلوب وفي الجغرافيا والديموغرافيا على مدى عقود أو قرون من الزمان . سياسات سيشهد عليها الحجر والشجر والبشر . وسوف تستمر مخرجاتها على الصعد كافة جيلا بعد جيل ، ليس في صورة أزمة خبز ووقود وغاز فقط بل في صور من أزمات الثقة والمحبة والتعاطف والتعاون ، أزمة ستستمر ، مهما حاول تطويقها الراشدون جيلا بعد جيل ..
من قبل نادى المهلهل على جساس :
يا أيها الجاني على قومه .. جناية ليس لها بالمطيق
نعم تلك الجناية هي الجريمة الأسدية الأكبر . الجناية على سورية الدولة ، وعلى سورية الحاضر والمستقبل وعلى سورية العمران و الإنسان .
ويبقى أن ننهي أن الأزمة التي تعيشها بقايا الدولة في سورية اليوم هي أزمة بنيوية ذاتية داخلية كما تفجرت الثورة الشريفة الرائدة كذلك . وهي أزمة ستتبعها أزمات وأزمات ..
نؤكد هذا حتى لا يسخرنا بشار الأسد في مشروع النواح على قرارات حصاره التي ما رفعت الضيم عن معتقل أو معتقلة . قرارات العقوبات الدولية ميت لا يستأهل الجنازة ، ومع ذلك يريدنا البعض أن نبكي منها أو عليها. وإن كان للأمريكي والأوربي والروسي يد في هذه الأزمة فهو أنهم شجعوا بشار الأسد على ارتكاب الجريمة ، وأطلقوا يده فيها ، وسكتوا عنه حتى تمادى وما يزال .
إن قرارات العقوبات الدولية ليست بذات دور مباشر في الأزمة أو الأزمات التي تعيشها سورية وتعيشها يران هذه الأيام . إن استشهاد بعض الدارسين بالشكوى المرة التي أطلقها حسن نصر الله عن أنهم يبيعون أعضاءهم خدمة لقضيتهم يعني أن فينا من لا يزال يصدق الكذابين !!
إن الدور الدولي الذي صب في حجر بشار الأسد 91% من أموال المانحين على مدى سبع سنين ، كان يريد لهذا المجرم أن ينتشي ليرتكب المزيد .
ثمة حقيقة موضوعية سياسية قائمة منذ قديم الزمان : الدول لا تقوم بلا مقومات . ومن حولنا أمثلة عديدة حتى لدول الوفرة التي تتوفر فيها المادة وينقصها الإنسان . وهذا الكيان الصهيوني منذ سبعة عقود لا يزال حتى الآن يعيش ويتقوى بسيل المعونات و المساعدات. يتلقى هذا الكيان المصنوع النسبة الأعلى من المساعدات على مستوى العالم بالنسبة لعدد السكان !!
هل ستحظى دولة بشار الأسد ، أو أي كيان سيؤسسه الروس والأمريكان في سورية بمثل هذه الامتيازات التفضيلية ليبقى ؟! نظن أن ذلك سيتوقف على الدور والظرف الجيوسياسي إلى حد كبير .
يجب ألا يخدعنا الزعيق الأسدي أو الإيراني من وقع العقوبات فهو زعيق مصطنع مكذوب هنا وهناك ، وهو جزء من غبار التضليل الإعلامي للمزيد من الابتزاز والمزيد من التلميع والمزيد من الادعاء .
ولكن أليس مشروعا أن نتساءل كيف تعيش سورية والسوريون أزمة وقود والشاحنات الإيرانية تنقل إلى دمشق وحلب ودير الزور رواد المقامات والمزارات ولا تستطيع أن تنقل الوقود الذي يضيء الشموع حول هذه المقامات ..
شيء ما في العلاقة الأسدية الإيرانية أوقف دوران المحركات .. والأهم من كل ذلك أن يعي بشار الأسد أن مريض اللوكيميا لن تسعفه طويلا عمليات نقل الدم ..
وأن الدول لا تبقى تحت أجهزة الإنعاش
وسوم: العدد 821