تضارب المواقف بين فرنسا وأوروبا حول ما يجري في ليبيا
رغم اعتراف الاتحاد الأوربي رسميًا بالحكومة الليبية في طرابلس، إلا أن المسؤولين الفرنسيين يلعبون على الطرفين، ويدعمون حفتر في التقدم، في حين يعلنون دعمهم للحكومة، والرغبة العارمة لدى الشعب في تخلي فرنسا عن سياساتها الجائرة ضدهم.
كلّ كلمة في السياسة الخارجية مهمّة. ولا بد من الانتباه إلى أن المسكوت عنه في الخطابات السياسية قد يكون أكثر أهمية من الكلام المنطوق به والمفصح عنه. ففي 8 أبريل - وبعد أيام من هجوم الجنرال خليفة حفتر على حكومة الوحدة المعترف عليها دولياً في ليبيا - نشرت الممثلة العليا للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، فيديريكا موغيريني، أول بيان لها حول ذلك التقدم. إذ وصفت الهجمات التي شنها الجيش الوطني الليبي التابع للجنرال بأنها تشكل خطراً على الناس في البلاد، وكذلك على عملية السلام التي تتوسط فيها الأمم المتحدة. ودعا موغريني الجيش الوطني الليبي والقوات الحكومية إلى الموافقة على وقف إطلاق النار. ومع ذلك، تجنبت أي ذكر لحفتر بالاسم. (ذكرت ذلك بعد بضعة أيام في خطاب لها أمام البرلمان الأوروبي).
وقبيل "بيان مورغيريني" بقليل قام مسؤولون فرنسيون بالضغط على المفوضية الأوروبية لمنع "موغريني" من ذكر اسم حفتر في بيانها.
فالجنرال خليفة حفتر: هو ضابط سابق في القوات المسلحة النظامية الليبية، لعب دورًا نشطًا ضدّ الحكومة منذ بدء الحرب الأهلية الحالية، في عام 2014 أكد بأنه لا يعترف بحكومة الوحدة الوطنية في ليبيا طرابلس بقيادة رئيس الوزراء فايز السراج. ومع ذلك، في عام 2017، ساعد الرئيس الفرنسي المبتدئ، إيمانويل ماكرون، على رفع الوضع الدبلوماسي لأمير الحرب حفتر. وعمل كوسيط في اتفاق تقاسم السلطة في ليبيا، ودعا الجنرال ورئيس الوزراء إلى باريس لإجراء محادثات.
أعطى ماكرون الاجتماع لمعانًا من النجاح، مما ساعد في تلميع أوراق اعتماده الدبلوماسية مبكرًا. وقد وافق السراج وحفتر على إجراء انتخابات للمساعدة في حل النزاع.
وهذ لم يحدث حينما كانت فرنسا، إلى جانب الولايات المتحدة وبريطانيا، كقوة دافعة للتدخل العسكري الدولي في عام 2011. ذلك التحالف الذي تقوده فرنسا والذي أسفر عن سقوط الديكتاتور الليبي طويل الأجل "معمر القذافي"، أما في الوقت الحالي نجد ليبيا تعاني من فراغ السلطة في الدولة الواقعة في شمال أفريقيا.
"الحكومة الشرعية"
التقى حفتر مع قادة العالم الآخرين، وكذلك مع مجموعات داخل ليبيا. ومع مرور الوقت، وسّع الجنرال نفوذه من خلال جلب عدد من المجموعات الأصغر جنبًا إلى جنب. كما أن روسيا وبعض دول الخليج عرضت الدعم المالي لجهوده.
وبحلول أوائل أبريل، سيطر حفتر على حقول نفط مهمة في جنوب ليبيا.
وكما هو معلوم بأن البترول مهم جدا لفرنسا، فضلا عن الحدود الجنوبية القريبة من مستعمراتها السابقة (تشاد، والنيجر)
وإذا افترض المسؤولون الفرنسيون أن حفتر حظي بفرصة أفضل لتحقيق الاستقرار في ليبيا مقارنة بالحكومة المعترف بها دولياً، فسيكون من المنطقي أن يدعموه. علما بأن الموقف الرسمي لفرنسا هو دعم حكومة فايز السراج. حيث أصدر قصر الإليزيه يوم الجمعة بيانًا لا لبس فيه بدعم "الحكومة الشرعية لرئيس الوزراء فايز السراج، ومع ذلك، يجد الكثيرون صعوبة في تصديق ذلك - بمن فيهم مسؤولون من الحكومة الليبية المعترف بها دوليًا. وقال وزير الداخلية الليبي فتحي باشا أغا قبل إصدار الحكومة الفرنسية للبيان: إن فرنسا تدعم "المجرم حفتر". حيث قطعت الحكومة الدولية العلاقات الدبلوماسية مع باريس، وتظاهر مئات الأشخاص في طرابلس ضدّ كل من فرنسا، والجنرال حفتر. واتهم وزير الداخلية الإيطالي ماتيو سالفيني، حزب رابطة المهاجرين، فرنسا بالتعاون مع حفتر. ووصف إيطاليا بأنها "جار" شمال ليبيا. نظرًا لأن العديد من النازحين يستخدمون البلاد كمنطقة عبور في طريقهم إلى أوروبا من أماكن أخرى في إفريقيا، فقد أظهر المسؤولون الإيطاليون اهتمامًا خاصًا باستقرار ليبيا - غالبًا ما يكون ذلك بأي ثمن إنساني.
الدبلوماسية الألمانية اللازمة
وقال أوميد نوريبور، المتحدث باسم السياسة الخارجية للخضر في البوندستاغ: إنه يتعين على الحكومة الألمانية "ألا تدخر جهداً في إقناع الإيطاليين، والفرنسيين بالاتفاق على خط مشترك". وأضاف: "على الفرنسيين أن يفهموا أنهم داخل الاتحاد الأوروبي، وعلينا أن نحاول تحقيق التوازن بين المصالح المختلفة. وإذا كان الأمر يتعلق بالاتفاق على خط مشترك فيما يتعلق بليبيا، فعلى الفرنسيين والإيطاليين إيجاد حل، يجعل بدلات لمصالح الجانبين". وقال نوريبور: إن مهمة الحكومة الألمانية هي توضيح ذلك لأصدقائها في باريس.
وتلعب ألمانيا حاليا دورًا خاصًا في التعامل مع النزاعات الدولية، حيث تتولى الرئاسة الدورية لمجلس الأمن الدولي هذا الشهر. وقامت فرنسا بهذا الدور في مارس - حيث يتقاسم البلدان الرئاسة خلال الشهرين المخصصين كرمز لوحدتهما. ومع ذلك، لا يبدو أنهم متحدين عندما يتعلق الأمر بليبيا. وتحدثت المستشارة أنجيلا ميركل إلى السراج وأدانت هجوم حفتر - لكن نوريبور قال: إن على ألمانيا أن تحث المسؤولين الفرنسيين على ممارسة نفوذهم على الجنرال لمنعه من تفاقم الوضع. وأضاف "صداقتنا العظيمة مع فرنسا يجب أن تتيح مجالا كافيا لذلك".
وحاولت ألمانيا حثّ مجلس الأمن الدولي على معالجة الوضع في ليبيا. وانتهت جلسة طارئة يوم الخميس دون قرار مشترك - ليس بسبب فرنسا، ولكن بسبب حق النقض (الفيتو) من جانب روسيا، والولايات المتحدة. وأبلغ دبلوماسيون وكالة رويترز أن روسيا لن توافق على إسناد مسؤولية الصراع إلى حفتر. في حين أن الولايات المتحدة لم تقدم أي سبب.
ومع ذلك، فمن المؤكد أن الرئيس دونالد ترامب قد تحدث بالفعل مع حفتر عبر الهاتف قبل أيام قليلة وأشاد بالدور الهام "للجنرال في محاربة الإرهاب، وتأمين موارد النفط الليبية". وفقًا للبيت الأبيض، وناقش ترامب وحفتر أيضًا "رؤية مشتركة لانتقال ليبيا إلى نظام سياسي ديمقراطي مستقر".
منذ تولي ترامب مهام منصبه في عام 2017، وتصرفات الولايات المتحدة غالبًا في نزاع مع الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي. ففي حين فشل المجتمع الدولي في الاتفاق على الاستجابة للتطورات في ليبيا، يواصل الجنرال حفتر إثبات الحقائق العسكرية على أرض الواقع. أحصت منظمة الصحة العالمية 254 حالة وفاة منذ بدء الهجوم في أوائل أبريل/ نيسان - حيث أصيب أكثر من 1200 شخص. خلال الضربات الجوية على العاصمة ليلة السبت، أبلغ سكان طرابلس أنهم سمعوا صوت طنين، كما لو كانت الطائرات بدون طيار تستخدم. كانت ميليشيا حفتر تستخدم طائرات أقدم لشن هجماتها، معظمها خلفها الاتحاد السوفيتي. إذا كان يمتلك الآن طائرات بدون طيار، فسيكون ذلك مؤشراً آخر على الدعم القوي من الخارج.
وسوم: العدد 822