هل سيفتح ترامب علبة ديدان الإخوان ؟
الجزء الأول
يسعى ترامب لتصنيف الإخوان كجماعة إرهابية و الإستخبارات الأمريكية رفضت سابقا وحاليا هذا المحاولات الترامبية .
فما السبب وراء هذا الرفض ؟
موقف ترامب مفهوم ومعروف من خلال اتجاهه اليميني المتطرف أو تأثير السعودية و الإمارات عليه من خلال كوشنر صهره و كبير مستشاريه .
هل تحب مثلا المخابرات الأمريكية الإخوان و تعتبرهم يمثلون الإسلام الوسطي الجميل أم ماذا ؟ لكي نفهم القصة يجب أن ندرك خلفياتها جيدا ، هناك مدرستين للوصول للسلطة في العالم العربي عبر كونك معارضا للنظم الحاكمة إما عن طريق السلاح و المواجهات العنيفة مع النظام أو عن طريق المعارضة السياسية التقليدية عبر الانتخابات والأحزاب . استراتيجية أمريكا والغرب في المنطقة العربية تقوم على أن تكون السلطة و الحكم و السيادة لرجال تابعين لها مباشرة لضمان مصالحهم و أمن إسرائيل . و بالتالي فلا سلطة لشخصيات مستقلة حتى لو كانت غير مؤدلجة , فاستقلال القرار في أي دولة عربية يعني احتمالية بل حتمية تضارب المصالح مع واشنطن و حلفائها . الإخوان في تفكيرهم الجمعي او منهجهم الفكري شخصيات مستقلة وليست تابعة و هذه نقطة خطر أولى ، الثانية أنهم أصحاب مشروع حضاري إسلامي كذلك و هذا المشروع يعتبرونه خطر على حضارتهم و ثقافتهم . لأن الحضارة الإسلامية بطبيعتها حضارة استعلائية احتوائية بقيمها ومبادئها و بالتالي هي لا تقبل الذوبان في الحضارات الأخرى بينما الحضارات الأخرى تذوب وتنصهر معها و التاريخ ينطق بذلك و هم يعرفون ذلك جيدا . و بالتالي لا يصبح أمام الغرب سوى منعهم من الوصول الى السلطة في معناها الحقيقي التي تعني السيادة و التحكم و السيطرة و لكن ذلك يعني إغلاق المسار السياسي السلمي و فتح الطريق للمسار المسلح على مصراعيه وهو مسار لا تؤمن عواقبه على الأنظمة التابعة لهم في العالم العربي ولا يمكن التحكم فيه بشكل كامل . لحل هذه المعضلة الأمريكية الغربية كان البديل الثالث لديهم و هو ما أسمّيه " سراب السلطة " و فيه يسمح للإخوان بممارسة العمل السياسي و دخول البرلمان والمشاركة في الحكومة و بعض مناصب الدولة و يتم جذب جميع الشباب الإسلامي الذي يريد تغيير السلطة الى دولاب العمل هذا و استهلاكهم فيه بعيدا عن خيار تغيير الحكم بقوة السلاح . و كان هذا الخيار هو أوفق الحلول للعقلية الغربية و أكثرها فائدة لهم من عدة جهات ، فهم ضمنوا أن طاقات التغيير في الأمة قد تم تسكينها و توظيفها داخل دولاب عمل مصمم بدقة و بمعالم واضحة و له خطوطه الحمراء ، فلا يمكن لهم بحال الإقتراب من أدوات الحكم الحقيقية مثل الجيش أو الرئاسة أو الإعلام أو أجهزة المعلومات الأمنية و غير الأمنية و لا مؤسسات المال . و في نفس الوقت يشعر الإخوان أنهم يتقدمون في طريقهم للسلطة بحصولهم على منصب أو وزارة أو مقاعد في البرلمان . و على الجانب الآخر تستفيد الأنظمة الوظيفية الحاكمة عندنا في العالم العربي من هذا الإطار في إضفاء المشروعية عليهم . فقبول الإخوان الذين يحظون برضى شعبي كبير مشاركة السلطة مع النظام الحاكم هو صك للمشروعية و القبول به حتى وإن عارضوا بعض سياساته. لذلك حرص السيسي بعد انقلابه في الثالث من يوليو على محاولة ضم وزراء من الإخوان لحكومته و خصوصا د باسم عوده وزير التموين في حكومة د مرسي لإضفاء المشروعية على انقلابه لكنهم رفضوا وتم التنكيل بهم بسبب ذلك . عندما قامت حماس بكسر الخطوط الحمراء و شكلت الحكومة في فلسطين كان الحصار مباشرة و تفجير الأوضاع الداخلية و سحب الإعتراف بها . و عندما نجح د مرسي و وصل إلى مقعد السلطة وأصبح له كلمة على مؤسسات القوة و المال و الإعلام كان الإنقلاب و مذبحة الفض و استوعبت حركة النهضة الدرس سريعا و رضيت بأن تكون جزء من السلطة ولكن على هوامشها لنعود لإستراتيجية الدولاب . و هذه المعضلة هي ما كتبت عنه مرارا سابقا ، و هي ان الإخوان يسعون الى السلطة دون امتلاك ادواتها الحقيقية و لا حتى السعي الى ذلك و في نفس الوقت يسمح لهم الغرب بالسعي خلف ( سراب السلطة ) الذي عادة ما ينتهي عند هوامشها و ليس قلبها . تصنيف الإخوان كمنظمة إرهابية سيفشل ما اسميته باستراتيجية البديل الثالث التي استخدمها الغرب لتطويع الحركة الإسلامية و سيفتح الطريق أمام الخيار المسلح بعد أن يغلق كل مجالات العمل السياسي السلمي . و رغم أن الإخوان ترفض استخدام السلاح في مواجهة الدولة و تعتبره خروج عن منهجها إلى أنها ليس لها سلطان ضابط على أفرادها أو باقي شباب الوطن العربي ، فهي سلطة أدبية أخلاقية وليس شيئا آخر . و هو ما يجعل وزارة الخارجية و وزارة الدفاع و الاستخبارات الأمريكية ترفض فكرة التصنيف لأنها ستفتح عليهم علبة " الديدان " كما يقول مركز الدراسات الاستراتيجية والأمنية الأمريكي "ستراتفور" و الذي يعد الحديقة الخلفية للمخابرات الأمريكية . الديدان هنا بحسب تعبير المركز هي أن التصنيف سيعني اشكاليات في التعامل مع فروعها المختلفة ، لكن من وجهة نظري الأمر يتعدى ذلك فالتصنيف قد يؤدي الى حل الجماعة في عدة دول و حل الجماعة سيعني تحولها الى مئات و ربما الاف المجموعات المحلية الغير مرتبطة معا و بالتالي ستزداد التعقيدات الأمنية فبدل أن يتم التفاهم مع بضعة اشخاص يتحكمون في هذا الكيان الضخم سيكون عليهم التفاهم مع مجموعات صغيرة في القرى و المدن و ربما الأحياء و هو ما يعني صعوبات هائلة أمنية في التحكم و السيطرة . ادارة العلاقة مع كيان بحجم الإخوان من خلال مجموعة من الأفراد معروفين لديهم و دارسين لشخصياتهم جيدا مثل ردود أفعالهم و أنماط سلوكهم أفضل الف مرة من ادارة العلاقات مع افراد مجهولين في آلاف الأماكن لا يتوقع رد فعلهم و لا أنماط حركتهم . فما هي خيارات الطرفين لإدارة المعركة بينهما ؟ و هل سينجح ترامب في تصنيف الإخوان كجماعة إرهابية أم ستنجح الأجهزة السيادية في واشنطن في كبح جماحه حفاظا على مصالحها ؟
وسوم: العدد 824