قالت : اذكروا لي أسماء خمس مسلمات رائدات على مستوى العصر !!
وأقول لها : أذكر لك خمسين مليون مسلمة رائدة على مستوى هذا العصر ، لو كنت تعلمين ...
أدب وسياسة :
في فيديو لطيف وماتع لفاضلة مسلمة جاءني من أكثر من مصدر في عالم الواتس الذي تتكاثر عليه الهدايا ولا سيما هذه الأيام ، وطلب مني بعض الأصدقاء التعليق عليه . تسأل الفاضلة في مقدمة حديثها الذي توجهه إلى تجمع نسوي سؤالا مستفزا استفزاز حفز واستنهاض : هل تذكرن أسماء خمس نساء مسلمات مبدعات رائدات على مستوى العصر ؟! وتقبل أن يبقى السؤال مطروحا ومفتوحا تتفاعل انعكاسات الجواب العدمي زيادة في اليأس والإحباط ربما من حيث لا تريد صاحبة السؤال بل أكاد أجزم أنها كانت تريد الحفز والاستنهاض ولكن كانت بسؤالها هذا وبطريقتها هذه كمن " يريد أن يعربه فيعجمه "
وقبل أن أحاول الإجابة على السؤال الذي لم ترد الفاضلة أن تجيب عليه .. أحب أن أقول كلاما في الجزء الذي سمعته من الفيديو حيث وصلني منه أكثر من نسخة بأكثر من مضمون من أكثر من صديق ..
وإذا كنت منذ أيام قد حدثتكم عن نفسية الذي يقول عن العسل "قيء الزنابير" ، من مترصد ومتسقط وحريص على إبداء العيوب والنواقص فإنني بكل الصدق والموضوعية أقول إن الرسالة العامة للفيديو كانت إيجابية وجميلة وحافزة وملهمة وفي وقتها ، وما أحوج المرأة المسلمة إليها في هذا العصر بالذات : ثقي بذاتك .. طالبي بحقك .. ولا تخافي ولا تحزني ؟.. مع ما كان في أسلوب الحديث من طرافة ومتعة وجمال أسلوب ..
ربما أتساءل : إلى أي حد يمكننا أن نمزج الفني بالمقدس في مقاربة نصوص وشخصيات هي في مقام رسول الله وأمهات المؤمنين والصحابة الكرام ..وهذه القضية ما تزال مفتوحة يتجادل حولها المتجادلون ولن أتوقف عندها طويلا في هذا السياق ، ليس تهربا وإنما لعلمي أن موقفي لن يحل الخلاف ولن يؤثر فيه ..إلا أنني استوقفني في الأبيات التي لم أسمعها من قبل أن الرسول الكريم بدأ بعرض الوسيط عمر مع أن القرآن الكريم يقول وحكما من أهلها فكان من المنطقي لو صحت الراوية أن يبدأ العرض بأبي بكر رضي الله عنه . ومنه أن يسوى عمر والقدر وإن كان لضرورة القافية فنحن نرضى عمر ونرضى القدر. وأن يستعاذ من علي أعتبر كل هذه الأمور على أهميتها الشرعية هوامش على موضوع الرسالة الذي قدمت رأيي فيه .
وأعود إلى السؤال التحدي والحفز والاستنهاض عن أسماء النساء الخمس المسلمات المبدعات الرائدات على مستوى العصر .. فأقول وما أكثر هؤلاء النساء في عالم أمهاتنا وأخواتنا وزوجاتنا وبناتنا المعتزات بذاوتهن ، المتمسكات بهويتهن والرافضات لكل ما يملي عليهن ..
وإذا كنا نحفظ من أسماء عصر الإسلام الأول أسماء مثل : خديجة وعائشة وحفصة وأم سلمة وفاطمة وزينب وسمية وزنيرة وأم عمارة والربيّع ونسيبة.. فإن أولئك الجدات قد أصبحن اليوم أجيالا من الوارثات الماجدات القائمات بالحق وعلى الحق والمنجبات للملايين من الرجال ..
نعم نملك جيلا كاملا من النساء ربين وقاومن وضحين وصبرن وصابرن وعانين أكثر بكثير من معاناة امرأة حامل تمشي من " الباركينك إلى مكتبها " ربع ساعة ثم تشتكي هذه المرأة فتجد في حضارة المكياج وعمليات التجميل أو الترقيع من يسمع شكواها ...
ولكن نحو خمسين مليون امرأة مسلمة من تركستان و أفغانستان وأراكان والعراق وسورية وفلسطين واليمن حين استغثن من حملة انتهاك ممنهجة في سجون باغرام وأبو غريب وبشار الأسد لم يسمع أحد في هذا العالم المترف الأنيق استغاثتهن!!
لم يسمع أحد في العالم استغاثتهن والمجرمون يبقرون بطون الحوامل ، لم يسمع أحد استغاثتهن حين ذبح أطفالهن في حجورهن ، لم يسمع أحد استغاثتهن وهن يعانين في أعماق الزنازين ، ولم يسمع أحد استغاثتهن يعتنقن الثكل والترمل والفقر والجوع بل إني أرى كل واحدة منهن رائدة مبدعة لا ترصدها عدسات الأعين العمياء ..
تقول المرأة الغزاوية أم الشهداء الأربعة وقد ألقت بندقيتها بجانبها : رسول الله جاهد .. رسول الله أصيب ... رسول الله جاع .. رسول الله صبر ..
هل تقبلين سيدتي الفاضلة هذه أنموذجا للريادة والابداع اللذين تبحثين عنهما في عالمنا الذي تتصورينه يبابا ..
مدير الشركة العملاقة في الولايات المتحدة يستجيب مشكورا لطلب امرأة حامل .. ولكن بشار الأسد لم يستمع استغاثة عشرات آلاف السوريات في الزنازين ولا الملايين منهن في الخيام بين الطين والثعابين ، بل لم يسمع منهن من قبل وهو يدسهن في أعماق المستودعات الرطبة فقط لأن لهن خيارا حرا فيما يلبسن ، هل نذكر كل المتمنطقين برخو الكلام بحادثة عزل المدرسات المحجبات من مهنة التعليم بنفس الطريقة التي أقدم عليه أبوه سنة 1978 فيما عرفناه بمجزرة التعليم ..أذكر هذا فيما كان أناس في معهد النور وفي غير معهد النور يحرقون البخور حول كبير الأصنام وصغارها على السواء ..
عندما جاء سيدنا عمر البشير بنصر معركة " نهاوند " " فتح الفتوح " التي دمرت ملك الفرس وأخبره باستشهاد النعمان بن مقرن قائد جيش المسلمين فيبكي عمر الرجل . يبكي الرجل عمر على رؤوس الرجال - تذكروا عمر والقدر - يبكي الفارق ، والفاروق يبكي ويشتد بكاؤه فيقول له الرجل المبشر : هون عليك يا أمير المؤمنين فما قتل غيره من وجوه الناس أحد يعرف ، أي كل الشهداء الآخرين من عامة الجند ، من مثلي ومثلكم من الذين إن غابوا لم يذكروا وإن حضروا لم يعرفوا ..فيشتد بكاء عمر الشفيق الرفيق ونحيبه أكثر ويقول : أولئك المستضعفون من المسلمين ..وما يفعلون بمعرفة عمر بهم ألا يكفيهم أن يعرفهم من أكرمهم بالشهادة ...!!
نعم سيدتي تريدين خمسة أسماء ولكننا قوم أكثر روادنا ومبدعينا ومنجزينا وحاملي ألويتنا لا أسماء لهم ..
نعم أيتها الفاضلة عدي إذا كنت تعدين كل أفغانية في شادورها ترمق باستعلاء جنود الاحتلال " يتبولون " على جثث الشهداء من قتلاهم
عدي أسماء العوائش والفواطم والخديجات والنسيبات والسميات في كل بقعة دخل فيها احتلال أو تحكم فيها عميل من عملائه المجرمين ..
هاته المبدعات السوريات . ألا تحتسبين معي أما في " الخامسة من عمرها " تحتضن أخاها ابن الثالثة وتلتف عليها بجسدها الضخم الأكثر ضخامة من شركة أديسون بمدرائها وموظيفها وكوادرها ومكاتبه ، تلتف على أخيها ابن الثالثة بجسدها النحيل كأنه الجبل لتقيه البرد ...ألا تعتبرينها رائدة مبدعة ينبغي أن تذكر في سجل شرف القرن الحادي والعشرين الذي عنه تبحثين ..
سيدتي ألا تعتبرينها رائدة مبدعة تليق بحضارة القرن الحادي والعشرين تلك الفتاة التي تنتشلها الأيدي البيضاء من تحت الأنقاض ، وأول ما تعي ذاتها وهي دون سن التكليف أنها فقدت حجابها مكمل ذاتيتها ، حامي خصوصيتها فتهتف وهي بين الموت والحياة " عمو لا تصورني لأني ما لي محجبة " ألا تليق هذه العظيمة سليلة العظماء تربية العظيمات بسجل شرف مبدعات القرن الحادي والعشرين
هؤلاء النسوة اللواتي زحف عليهن كل وحوش الأرض وهن ما زلن ينادين : وسورية بدها حرية ، وبدها كرامة رغم أنف الطيران الروسي والأمريكي وميلشيات الولي الفقيه ..؟!
أعيدي الحسبة أيتها الفاضلة : اقرئي إن شئت " أيام من حياتي " لزينب الغزالي . أو خمس دقائق لهبة الدباغ واضربي المعروض بعشره والاسم الواحد بمليون ..
أيتها الفاضلة في المجتمع الذي انتميت إليه يختارون ملكات الجمال بالمصقول والمدهون . وفي المجتمع الذي نشأت فيه ، يقول الرسول الكريم : أنا وامرأة سفعاء الخدين في الجنة كهاتين ويشير بأصبعيه ..
عن هؤلاء السفعوات أحدثك عن هؤلاء المبدعات في تضحيتهن وفي صبرهن وفي ثباتهن وفي تربيتهن ..
فرق بين ما طلبت وبين ما أعرض قول أبي الطيب المتنبي :
حسن الحضارة مجلوب بتطرية ... وفي البداوة حسن غير مجلوب
لست ناقدا بل مشجعا ومؤيدا ومكملا ويشفع لي فيما أقدمت عليه قول العرب : ويل للشجي من الخلي ..
وسوم: العدد 825