أساطير الشامتين!!
كم كان عزائي عظيماً حين تسلقتُ صوتاً متبعاً توجيهاً رسالياً أرسل به ميثاق شرف وطني، أرسته في الساح السياسي السوري جماعة الإخوان المسلمين في سورية، داعياً (ميثاقها الشريف) إلى إطار وطني مشترك، تلتقي عليه جميع القوى السياسية والنخب الفكرية في سورية، تحوط هذا الإطار: الحرية، وتقديم مصلحة الوطن العليا على المصالح الخاصة، وكذلك يحوطه الاعتراف المتبادل بين جميع الفرقاء على أرض الوطن، ومن تجليات هذا الميثاق الدعوة إلى نبذ العنف، واعتماد الحوار الديمقراطي وسيلة لتحقيق الأهداف[2]؛ وقد أصدر الإخوان في مصر وفي لبنان وفي الأردن المواثيق التي تحمل في طياتها المعاني نفسها من القبول بالديموقراطية والحرية والحوار والاشتراك للجميع في صنع سياسات أوطان الأمة.
وقد يأتي قائل شامت ليقول: نحن نتكلم عن الإخوان في الميدان العملي وليس عن أدبياتهم وتنظيراتهم فوق السطور.
ونقول: أرأيتم كيف يحاور الحقُّ شنآن الشامتين الحاسدين، الذين قال الله فيهم ((أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله...)) النساء (54). فراحوا يبشرون الحواضر والبوادي بشماتتهم، ليقول أحدهم: "شهدت العقود القليلة الماضية انحداراً متسارعاً في مكانة الجماعة"، وهو قول مهرطق حزين لأنه لا يرى رصيد الجماعة الشعبي الجماهيري في صعود، فأينما جرت انتخابات نقابية كانت أم طلابية أم تشريعية وفي كل أقطار أمتنا كان السبق فيها للإخوان ومناصريهم من الشعوب، لذلك فهو لم يجد إلا توجهات أمريكية لوصم الجماعة بالإرهاب ليتبناها ويسوغها، ثم ليشمت في مسيرة الجماعة مؤسساً شماتته فوق تخوم هرطقات، لا تثبت أيام الحقيقة لحظة واحدة.
إن هذا التوجه الأمريكي المدفوع من قبل صخب حاقد، ضد صمود الجماعة عند حافات جبهة العدوان على الأمة، صموداً أغرى غليان ما في صدور المستبدين القتلة، وما في صدور زاخرة بحقد الأيديولوجيا التاريخية المستدامة، نقول أغرى ذلك الليل الأسود، ليأخذ أصحابه إلى فيافي الفِرى على الجماعة، وتحويل ما فيها من حسنات وانفتاح إلى اتهام ظالم، يكدّسونه في (الميديا)، ثم لتتوظف الأقلام ووسائل الاتصال، ساعية كلها إلى تكريس تلك (الفِرى) بحق الجماعة.
الساحة تضجّ بالعداوات للإسلام وأهله وللعرب وقضاياهم، والضجيج يفصح عن نواياه؛ ملقياً حممه، قائلاً: أي صمود في وجه الحملة الشرسة الظالمة هو إرهاب، وكل من مارس الصمود إرهابي..
إنّ جماعة الإخوان المسلمين في سورية كانت ومنذ نشأت فصيلاً وطنياً سورياً شارك الجميع في إدارة دفة السياسة في سورية، إذ شاركت في مجلس النواب أوائل الخمسينيات، وشاركت بالحوار وبالتي هي أحسن، وبالرأي ضد الديكتاتوريات العسكرية الانقلابية، وتحملت في سبيل ذلك الإقصاء والاعتقال وحتى النفي، لا ينكر ذلك إلا كل جاحد، وشاركت في الوزارات في عهود الديموقراطية والمجالس النيابية المنتخبة، كما شاركت الشعب همومه في التعليم، ففتحت المدارس النظامية ومدارس محو الأمية، وأنشأت هيأة أسبوع معونة الشتاء، من أجل إغلاق الثغرات المجتمعية وللتخفيف من آثار الفقر، وشاركت في وضع دستور عام 1950 الديموقراطي الذي أُقر في مجلس النواب، مكرّساً الديموقراطية والحرية وسلاسة انتقال السلطة.
وأمّا قول القائل: "الرئيس محمد مرسي الذي اختطّ نهجاً سياسياً قوّض صدقية الجماعة في العالم العربي بمناقضته ما جاء في نصوصها بشأن الخيار الديموقراطي، وإقدامه على تحويل انتفاضة شعبية هائلة إلى انقلاب إخواني انفردت به الجماعة كأنها أنجزته وحدها".
فقولنا على قوله: إنّ أزمة هذا وأمثاله بشأن الجماعة والإسلام السياسي كما أسماه، وكما هو سائد في الاستعمال اليومي، لم تكن إلا "طرحاً" ميتاً، لأنه ذو منشأ ضائع الأصل، مفتون الأشعار والرؤى، مصطف القوى ضد أهله ومواطنيه، سائر خلف "موضات" "الميديا"، والسياسات الملتهبة بنشيج الانتقام من الصامدين.
لقد نسي هذا المفتري أن الرئيس الشرعي المنتخب انتخاباً نزيهاً اعترف بنزاهته وصدقيته القريب والبعيد، وأنه "د. محمد مرسي" العالم القدير، ذو التجربة والخبرة البرلمانية والسياسية، إنما تكالبت على رئاسته لمصر كل حاويات العالم السياسية والإعلامية والاقتصادية، ليس لأنه -كما يقول القائل- اختط نهجاً سياسياً قوّض صدقية الجماعة، بل لأنه كان حازماً ضد عدوان الصهاينة على غزة 2012، حين قال لهم أوقفوا عدوانكم وإلا... وكذلك لأنه وقف مع ثورة الشعب السوري، وأيضاً لأنه أوضح نهجه في إدارة أعمال مصر بأن تأكل مما تزرع، وتلبس وتتسلح مما تصنع، وتدير سياستها انطلاقاً من مصلحة مصر وشعبها وشعوب الأمة العربية والإسلامية، وكذلك لأنه حاول إشراك كل المصريين في الحكم الذي كان هو رئيسه، فكم من مرة عرض على العلمانيين والليبراليين واليساريين أن ينضموا إلى حوار لوضع رؤية مناسبة لإدارة دفة الحكم، فلم يجد من هؤلاء إلا الصدود، وأخيراً انضموا إلى العسكر وانقلابهم..
إننا من قلقنا على هذا القائل وعلى أولئك الذين اصطفوا مع العسكر، ثم لما استتبّ للعسكر الأمر، ألقوا بالمصطفين إلى المزابل، وإن قلقنا على هذا المتقوّل، خوفاً عليه من أن تلقيه شماتته إلى مصير كمصير أولئك. ونرجو له أن يقول بقول الشاعر: ليُعْجبي أنني عربي، وأنكم أهل بيتي. ومهما يكن فحنيني لكم فوق ما يبلغ العتب عندي: جراحي وقيدي وصمتي.
[2] المصدر السابق ص 38
وسوم: العدد 825