تَطَرَّفَ.. يَتَطَرَّفُ..!
جاء في المعجم الوسيط عن مادة (طَرَفَ): تَطَرَّفَ في كذا: جاوز حدّ الاعتدال ولم يتوسط.
وفي هذا العصر توسع الناس، كاتبون أو قوالون في وصف أي عمل أو قول لا يعجب البعض، فيرسلون في الناس برقية عاجلة، يحملها الأثير، تصم صاحب العمل أو القول بأنه تَطَرَّفَ فهو "متطرف".
وقد ترتعد فرائص أحدهم، فيذهب بعيداً في الوصف، ليقول: هذا هو الإرهاب، إنه من الإخوان المسلمين المتطرفين، الذين خرَّجوا لنا فئات الإرهابيين التكفيريين.. ثم تسيل الأحكام على شفتيه سيل العرم المتحدّر من جذوة اللؤم، عديم الأصل، فقيد الجذور، كأنه أُطروفة من نار مجوس غير متئدة ولا منتمية إلى عقل أو إنسانية.
وإن النهى لتعجز عن استيعاب هذا الفجور في الخصومة، وهي تقف امام هذا السيل الشرس غير الوثيق من الاتهام للإخوان المسلمين ومن ثم اتخاذ هذا الهجوم غير المتعقل عليهم صنيعة للوم الإسلام والقرآن والصحابة الكرام، وكل ذلك بغير تفهم ولا تعقل ولا توثيق، بل هو كلام مرسل وحسب، يتغيا الكراهية والتحريض والتخريب لثورة الشعب السوري وغير السوري على الظلم والاستبداد وإهدار الحقوق والكرامة، والمصيبة أن من يذهبون هذه المذاهب يظنون بأنفسهم أنهم يكتشفون أبكار البيان وسامقات الأفكار وعيون الحلول.
ولكن.. ماذا لو أمسكنا مرسلات هؤلاء واحدة واحدة بالجرم المشهود وقاضيناها إلى محكمة العدل، التي لا يرضيها إلا الكلمة الموثقة القطعية النائية عن التأويل المغرض.
أحدهم أو أكثر من واحد، ممن يتصدرون الصحائف الورقية أو (الإلكترونية)، أو يعتلون المنابر، ويملأون الشاشات الفضائية، تراهم يدمدمون ويهمهمون، كأنهم كهنة بيت الفرعون، فيرسلون زفراتهم الحاقدة، الناشرة للْفِرَى (وعناكب) الكراهية: بِسِمَةٍ متفق عليها بينهم: الإخوان المسلمون حركة متطرفة وأن كل الحركات المتطرفة مثل داعش والنصرة خرجت من عباءتهم.
إن لغتكم المرسلة هذه أيها القوالون تستعصي على الفهم، فكيف بها إذا ووجهت بالحقائق الموثقة عن الإخوان المسلمين، من أفواههم، أو مما يسطرون من كتابات أو فعال.. وإذن فتعالوا بنا نطرق الأبواب لنستقصي ما هي حقيقة ما يفتري الشانئون الحاسدون للإخوان المسلمين.
ولنبدأ من عند الأمير فيصل بن عبدالعزيز يرحمه الله، إذ أعلن على الملأ، في "مانشيت" عريض لإحدى الصحف السعودية قوله المنصف: "الإخوان المسلمون أبطال جاهدوا في سبيل الله بأنفسهم وأموالهم".
ونثني بكلمة للأمير فهد بن عبدالعزيز ولي العهد في المملكة العربية السعودية، أيام ألقى كلمة نيابة عن أخيه الملك خالد في الحرم المكي عام 1401هـ، والكلمة تحت عنوان "الصحوة"، كان الحضور قادة المسلمين والعرب ومنهم: صدام حسين (العراق)، ياسر عرفات (فلسطين)، السلطان قابوس (عُمان)، عيسى بن سلمان آل خليفة (البحرين)، وعلي عبدالله صالح (اليمن).
ومما جاء في كلمة الأمير فهد، المقتطفات الآتية:
1- يشهد عالمنا الإسلامي اليوم صحوة إسلامية مباركة، أعادت لكل مسلم اعتزازه بدينه وقرآنه وانتمائه للحضارة الإسلامية.
2- إن هذه الصحوة، ليس موجهة ضد أحد أو تكتل ما.
3- إننا نعلن من هذا المكان الطاهر المبارك (الحرم المكي): إن صحوة الإسلام ليست خطراً على أحد. ولا شراً على أي مجتمع جديد، بل هي تؤمن للمسلم ما يتطلع إليه من حياة كريمة وتحقق للبشرية ما تصبو إليه من سلام وأمن.
هاتان شهادتان منصفتان للإخوان خاصة ولصحوة المسلمين عامة، وقد يقول قائل هذه شهادات عتيقة عفّى عليها الزمن، وتجاوزتها الأحداث ورؤى المسؤولين اليوم، فما بالك تأرز إلى تلك المقولات، وقد نسيها الدهر، وأغارت عليها عوادي التطرف والمتطرفين، فهلا أتيت بالجديد المعاصر من الشهادات، التي أفقدت تلك العتيقة مجراها، وأضاعت معناها ومبناها.
نعم سوف آتي بالجديد في مقالٍ تالٍ إن شاء الله تعالى.
وسوم: العدد 826