" لا يصلح الناس فوضى " حول فيديوهات أسرى جنود الأسد
موقفنا:
" لا يصلح الناس فوضى " كلمة من معين الحكمة للأفوه الأودي شاعر عربي قديم . ومن معين الحكمة أيضا قول العامة " درهمُ مال يحتاج إلى قنطار عقل " وأبني عليه فأقول " درهم علم يحتاج إلى عشرة قناطير من العقل " وأزيد فأقول " ودرهم نصر يحتاج إلى عشرين قنطارا من العقل " . وأي عاقل لا يفرح بالنصر أو بنصر مهما كان ، وربنا سبحانه وتعالى يقول ( وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاء ) ؟!
وحيازة النصر في سياق من الألم له خصوصية من الفرح أكبر ، وهي فرصة للمنتصر العاقل الراشد لإظهار أخلاق المنتصر الجميل للتميز بينه وبين المتغلب الأشر القبيح . الأخلاق التي تميزه عن عدوه وضده تميزا فارقا فالقا فيظهر معدنه وجوهره وسموه ؛ كما فعل سيدنا رسول الله في كل مواطن انتصاراته . لا كما يفعل بعض الناس في عملية تفسير مبتسر لقوله تعالى ( فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ ) الآية التي طالما جعل منها بعض الذين لا يعلمون جسرا للتلبس بأخلاق وسلوكيات عدوهم ؛ متغافلين عن المعنى الإنكاري في قوله تعالى ( إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ ).
وصلتني بالأمس أكثر من مقطع فيديو تصور بعض الأسرى من كبار ضباط بشار الأسد بين يدي جنود الثورة الأحرار الأبطال ..
وأول تعليق أقوله على هذه المقاطع هو أنه انتصار . انتصار نسأل الله أن يتمه ونسأل الله يزيدنا منه . وهو انتصار أيضا يجب أن نشكر العزائم والسواعد التي أنجزته وحققته. ونقول لكل من ساهم فيه بارك الله في هممكم . وشد أزركم . وسدد رميكم . وأدام عليكم نعمة توحدكم . ودفع عنكم مكر عدوكم .
وأعود إلى مقاطع الفيديو التي تم نشرها فأقول إن هذا المقاطع بحد ذاتها هي رسائل بشرى ، وتعبيرات عن أمل . هذه المقاطع بكل ما فيها وبكل معانيها هي رسائل إلى القريب والبعيد ، وإلى العدو والصديق ، وإلى الداخل والخارج ، وإلى الذين معنا وإلى الذين ضدنا ، إلى حاضنة الأسير وإلى أسرته وإلى الذين هم في الموقف الاعتزالي بين بين . من سوريين وغير سوريين .
ومهما حاولت أن أشرح عن أهمية هذه الرسائل فلن أوفي الأمر حقه . ومهما حاولت أن أتحدث عن المرجعيات السامية التي يحب أن تستند عليها رسائلنا من خلال هذه المقاطع ؛ من قرآن وسنة ومن سيرة سلف لنا صالحين ومن مواثيق إنسانية وعهود قانونية تربطنا بالإنسانية من حولنا ، وقد خذلنا الكثيرون فيها ، فلن أوفي الأمر في هذا المقام حقه ، ولن أحيط بأهميته وأهمية انعكاساته وتداعياته .
نحن من قوم نظل ندعو : اللهم أصلحنا ظاهرا وباطنا . ونظل ندعو : اللهم اجعل سرنا خيرا من علانيتنا واجعل علانيتنا صالحة . فما أدعو إليه ليس سلوكا باطنيا ، ولا موقفا تظاهريا ، ولا مشهدا ادعائيا منافقا أعوذ بالله من النفاق والشقاق ؛ وإنما أدعو إلى الجميل والتجمل بالبعد عن الفوضى والتلقائية والاسترسال في موطن مشهود مرصود ترقبه الأعين الناقدة والمتربصة ..
من حرصنا على أن يكون سلوكنا منضبطا بكل المرجعيات التي تحدثت عنها ، ومع تأكيدي الحاسم والمطلق على ألا يكون تعامل جنود بشار الأسد مع الرجل المسن في الفيديو الذي اشمأززنا منه جميعا مرجعا لنا ، أو أن يكون له أي انعكاس على سلوكنا أؤكد لكل من بيده الأمر من المعنيين بالقرار أن بث فيديو لخمس دقائق مع أسير هو عمل خطير . يجب أن يقدر حق قدره . ويجب أن يكون دائما تحت الإشراف الرشيد . ويجب أن يستشار فيه علماء وخبراء في الدين والسياسة والمواثيق الإنسانية والقانون الدولي وعلم النفس الجماعي والفردي ....
أقول ولا أحب أن أزيد ، أقول بما قال الأول : لا يصلح الناس فوضى . والفيديوهات التي شاهدتها هي بنت الفرحة التلقائية . والفعل المعوم الذي حضره الانفعال أكثر مما حضره العقل والرشد . أسئلة كثيرة غابت ، ولغو كثير تردد . وما أجمل أن تحرج الأسير أمام أطفاله بأن تعرض عليه بهدوء صور الأطفال الذين قتلهم أو شارك في قتلهم ، وصور العمران الذي هدمه والأبرياء الذين هجرهم ؟!
ولا بد لكلمة الحق من حامل ...
والحق مر على النفوس . صعب على بعض العقول .
( فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ).
وسوم: العدد 826