عن الأونروا في خطاب غرينبلات أمام مجلس الأمن
مِن على منبر مجلس الأمن الدولي دعا مبعوث الرئيس الأمريكي للشرق الأوسط جيسون غرينبلات يوم الأربعاء 22/5/2019 إلى حل وكالة "الأونروا" وقال بأن الوقت قد حان كي تتسلم الدول التي تستضيف اللاجئين والمنظمات غير الحكومية الخدمات التي تقدمها هذه الوكالة الدولية وبأن نموذج "الأونروا" قد خذل الشعب الفلسطيني.
منذ ما يزيد عن قرن من الزمان؛ من خذل الشعب الفلسطيني هو المجتمع الدولي، الذي انحاز ضد حقوق الشعب الفلسطيني، منذ إعلان بلفور في العام 1917 مروراً بالإنتداب البريطاني على فلسطين، وصولاً إلى إعتراف الأمم المتحدة بدولة الإحتلال الإسرائيلي فوق أرض فلسطين وفق القرار 181 لسنة 1947 والتسبب بتشريد ما يقارب من 935 ألف فلسطيني أصبح عددهم الآن أكثر من 8 ملايين لاجئ موزعين بين مناطق عمليات "الأونروا" الخمسة وبقية دول العالم، وهو ما يشكل وصمة عار في جبين الأمم المتحدة، التي لا تزال حتى الآن تقف مكتوفة الأيدي أمام أطول حالة لجوء في العالم لأكثر من 70 سنة..
وبالتالي تحميل وكالة "الأونروا" مسؤولية خذلان الشعب الفلسطيني أو إدامة الصراع أو إدامة قضية اللاجئين، ما هي إلا محاولات لذر الرماد في العيون، وتعمية الأبصار عن تحمل المجتمع الدولي لمسؤولياته السياسية تجاه قضية اللاجئين والتي تعبر عنها وكالة "الأونروا" وبالتالي العمل التدريجي على إلغاء القرار 194 الذي أكد على حق العودة والتعويض واستعادة الممتلكات وهو ما تسعى الإدارة الأمريكية والكيان الإسرائيلي إلى إزالته لارتباطه بشرعية وجود الكيان الإسرائيلي فوق إرض فلسطين، ولا تزال هذه الشرعية معلقة في الأمم المتحدة إلى حين تطبيق القرار، فإذا أُزيل القرار، هذا يعني بأنه قد بات المجال متاحاً لتكريس هذه الشرعية المزعومة، ناهيك عن أن وكالة "الأونروا" قد باتت شاهداً على جريمة النكبة يراد التخلص منها.
كان الأوْلى بالسيد غرينبلات أن يقول بأن الوقت قد حان لإنهاء أطول حالة لجوء في العالم، وإعتراف المجتمع الدولي بحق أكثر من 8 ملايين لاجئ فلسطيني بالعودة إلى بيوتهم، والإعتذار لهم عما عانوه من ظلم وقهر واضهاد وتطهير عرقي طوال قرن من الزمن، وتعويض ما خسروه، ومحاسبة المتسببين كي يعم الإزدهار والعدل والسلام في المنطقة.
من جهة أخرى يُلاحظ في خطاب غرينبلات بأنه لم يتطرق إلى نقل خدمات الوكالة إلى المفوضية العليا لشؤون اللاجئين كما جرت العادة على لسان الكثير من الرسميين والدبلوماسيين الأمريكيين وحتى لم يعد يذكر على لسان دولة الإحتلال الإسرائيلي وهذا بتقديرنا يعود لسببين إستراتيجيين؛ الأول بأن هذا الطرح سيواجَه بالخيار الأول والمفضل لدى المفوضية بتطبيق حق عودة من يرغب من اللاجئين إلى بلده الأصلي وهذا الخيار هو خيار أكثر من 6 مليون لاجئ فلسطيني مسجل في مناطق عمليات "الأونروا" الخمسة، لا يريد أي منهم التوطين في بلد اللجوء (الخيار الثاني للمفوضية) ولا أن تبحث له المفوضية عن بلد ثالث للتوطين (الخيار الثالث للمفوضية)، وهو الطرح الذي تعتبره جميع حكومات الإحتلال تابو أي من المحرمات الحديث فيه.
مرت أزمة فلسطينيي العراق ولم تستطع الأمم المتحدة إتخاذ أي إجراء بحق دولة الإحتلال بعد أن اختار اللاجئ أن يعود إلى بلده الأصلي في فلسطين، وأُجبرت المفوضية العليا على بعثرة اللاجئين إلى مختلف دول العالم وهم غير المسجلين في سجلات وكالة "الأونروا"، حتى بات عدد اللاجئين في العراق حوالي 5 آلاف لاجئ فقط من أصل حوالي 40 ألف كانوا قبل الغزو الأمريكي في العام 2003.
أما الآن فقد اختلف الوضع مع وجود الملايين من اللاجئين، وباعتراف الكيان الإسرائيلي والإدارة الأمريكية بحق اللاجئين بتلقي الخدمات من المفوضية، هذا يعني بأنها تعترف بالمفوضية وبخياراتها الثلاث، وبالتالي تكريس لحق اللاجئين بالعودة.. وبالتأكيد هو ما لا تريده، السبب الثاني بأن كل من الإدارة الأمريكية والكيان الإسرائيلي سيكون عليهما الإلتزام بالإعتراف بحق ليس فقط الـ 6 مليون لاجئ بالعودة، بل بكل اللاجئين الفلسطينيين حول العالم حسب سياسات عمل المفوضية العليا لشؤون اللاجئين.
اتخذت دولة الإحتلال ومعها الإدارة الأميركية القرار بإنهاء وكالة "الأونروا" وأحد أدواتها ما ذكره غرينبلات وهذا لن يتوقف، لذلك المطلوب حراك فلسطيني سياسي وأن يكون إستراتيجي ضمن خطة قابلة للمراكمة لحماية حقوق اللاجئين عبر تحقيق ثلاثة أهداف متكاملة؛ حماية الوكالة، ومعالجة الأزمة المالية المزمنة وتوسيع صلاحياتها خاصة ونحن على أعتاب تصويت في الجمعية العامة للتجديد للوكالة لثلاث سنوات أخرى تبدأ في بداية شهر كانون الأول/ديسمبر 2019، وفي ظل الفعل السياسي والدبلوماسي الراهن والذي يعاني من قصور ولا يتجاوز النداءات وردّات الفعل الإعلامية؛ هذا يقتضي تحركاً سياسياً نشطاً من قيادة منظمة التحرير الفلسطينية يسند حراك شعبي منظم، فالعمل الشعبي الإحتجاجي لا يكفي وحده لضمان حماية "الأونروا" ومنع تصفيتها فعلياً.
وسوم: العدد 827