أعداؤنا قد يؤجلون صفقة القرن رسمياً وينفذونها عملياً
مر عامان على بدء الحديث عن صفقة القرن التي أرادها الرئيس ترامب بإيعاز من إسرائيل حلا نهائيا للقضية الفلسطينية ، ولكل المشكلات بين إسرائيل والعرب . وخلال العامين أجلت عدة مرات ، وفي مطلع مايو الماضي قالوا إنها ستعلن بعد رمضان في 9 يونيو الحالي ، وأعلنت أميركا عما سمته ورشة البحرين لمناقشة كيفية إسهام الازدهار الاقتصادي في السلام بين العرب وإسرائيل ، وأن هذا خطوة أولى من خطوات الصفقة . وبعد الإعلان عن تلك الورشة ، بدأت ترتفع نغمة الشك في إعلان الصفقة في موعدها المحدد ، وأخيرا جاء ما يشبه الضربة القاتلة لإعلانها ، وهو ما كشفته " واشنطون بوست " عن مصادر حضرت اجتماعا مغلقا لبومبيو وزير الخارجية الأميركي مع رؤساء المنظمات اليهودية الكبرى في نيويورك قال فيه : " قد يجادل المرء بأن الخطة التي طال انتظارها ليست قابلة للتنفيذ ، ولا يمكن الموافقة عليها " ، وأكثرَ من صراحته ، فأردف : " أعترف أنها لا تكسب أي دعم " . وفي السياق قالت صحيفة " معاريف " إن الصفقة إذا لم يتم تقديمها في الوقت الحاضر فإنها قد لا ترى النور أبدا بسبب الانتخابات الإسرائيلية في سبتمبر المقبل ، والانتخابات الأميركية في نوفمبر 2020 حيث ، مثلما تعتقد ، " لا يتحمل الرؤساء الأميركيون عادة مخاطر سياسية قد تؤثر على فرص انتخابهم " . ونرى أن تأجيل الإعلان عن الصفقة رسميا ، أو إلغاءها ، والإلغاء غير مستبعد حسب بعض التحليلات والآراء والشواهد ، ليس بسبب الانتخابات الإسرائيلية والأميركية ، بل لقوة الرفض لها من الشعب الفلسطيني والعربي ومحور المقاومة وتركيا ، وضعف موقف أنصار الصفقة من أتباع أميركا العرب الذين شعروا ، وشعرت معهم أميركا وإسرائيل ، أن مناصرتهم لها صارت تحرجهم ، وقد تحرقهم . الرفض المتصدي للصفقة دفع إدارة ترامب للإفاقة على ما فيها من نواقص كبيرة أفصحت عن سذاجة من هم وراءها ، وطفولة وعيهم السياسي ، وأولهم جاريد كوشنر متبنيها ومروجها ، والذي لم يباغتنا ، لعلمنا بسطحية فكره السياسي ، وضحالة معرفته بتاريخ المنطقة وثقافاتها ، بقوله منذ يومين في مقابلة مع موقع " أكسيوس " الأميركي إن الفلسطينيين لا يستطيعون حكم أنفسهم ! وهذا ، في قناعته ، يبرر تأجيل منحهم حق تقرير مصيرهم الوطني ! المشروعات غير المدروسة بعلم وروية تتعثر ، وقد تفشل ، ثم تختفي . وهذا هو المصير المتوقع لصفقة القرن من الناحية الرسمية ، بيد أننا نحذر من قدرة أعدائنا الهائلة على التشبث المستميت بما يريدون ، أي أنهم قد لا يعلنون عن الصفقة رسميا ، وقد يلغونها نهائيا لما تجلبه لهم ولأتباعهم العرب من محرجات ومشكلات ، ويدأبون في تنفيذها عمليا . وقد وصف اعتراف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل ، واعترافه بضمها للمرتفعات السورية ، وإصراره على إلغاء الأونروا ، بتنفيذ فعلي لمراحل من صفقته ، فلم لا تنفذ مراحلها الباقية بنفس الطريقة ؟! تزيد إسرائيل من سيطرتها على الأرض في الضفة الغربية ، وتطبق القانون الإسرائيلي على مستوطناتها فيها ، وتواصل توسيع وتعميق علاقاتها مع الدول العربية المناصرة للصفقة دون صفة رسمية لعلاقاتها بهذه الدول ، وكل يوم يطلع علينا سياسي أو عسكري أو استخباري أو إعلامي إسرائيلي بحديث عن المستويات العالية المتنامية للعلاقات بين إسرائيل وبين ما يسمى الدول العربية المعتدلة . أعداؤنا عمليون ، فلنحذرهم ! وحتى الآن سجل الشعب العربي ومحور المقاومة وتركيا نصرا أوليا على أهل الصفقة ومناصريها بتأجيل الإعلان عنها أو ربما إلغائها رسميا ، ويبقى أن يشلوا خطوات تنفيذها عمليا . وكم جاء مفرحا للقلب أن نسمع الشيخ حسين الديلي من جمعية الوفاق البحرينية يقول في حزم صادق في اللقاء الشعبي العربي الذي انعقد الأحد الفائت في بيروت : " أعلن أمامكم وبكل ثقة أن كل شعب البحرين بمختلف مكوناته ضد الصهيونية وضد ورشة البحرين " ، هذا الحزم الصادق هو المعبر عن موقف العرب والمسلمين شعبيا من أميركا وإسرائيل وأتباعهما من العرب والمسلمين.
وسوم: العدد 827