لا تجهضوا مشروع الحل السياسي مع غير أهله

ولا تقتلوه في مراوغات جنيف

زهير سالم*

[email protected]

الحل في سورية سياسي . ولا يمكن أن يكون إلا سياسيا . وحتى عندما ينتصر مشروع الثورة والثوار فيجب أن يكون الحل السياسي الوطني التوافقي هو المدخل المباشر لإعادة اللحمة للمجتمع السوري الأهلي والمدني ثم لوضع أسس الدولة السورية الحديثة التي يريدها الجميع وللجميع ..

والذي نريد أن نؤكد عليه هنا أنه لا يجوز الخلط بين الموقف مما يجري في جنيف والموقف من الحل السياسي . السوريون الذين رفضوا الذهاب إلى جنيف إنما فعلوا ذلك لاعتقادهم أن ما يجري في جنيف هو مناورة عبثية ومسرحية سخيفة مملة تعرض فصولها بينما خلف خشبة المسرح تسفك دماء السوريين وتهدم ديارهم .

يعتقد السوريون الذين رفضوا المشاركة في جنيف ، وتؤيدهم على ذلك وقائع الثورة من يومها الأول حتى الساعة ، أن الفريق العصابة لا يؤمن بالحل السياسي في سورية . وأنه لو كان يؤمن به على أي صورة وبأي سبيل لكان بادر إليه منذ أول يوم . كما يعتقد هؤلاء أن الكثير من أوراق المبادرة ما تزال بيد هذا الفريق ، الذي أعلن رئيسه يوما كلاما خطيرا لم يسحبه ولم يسأله السيد الإبراهيمي ولا بان كيمون عنه ، فحتى بعد أن أعلن بشار الأسد رسميا وعلى الهواء : أنه ليس رئيسا لكل السوريين ما تزال المؤسسات الدولية تعامله على أنه كذلك . وتضع بيده مصير هؤلاء الذين قرر أن يبيدهم .

 وحتى بعد أن أعلن بشار الأسد منذ الأشهر الأولى للثورة أنه ذاهب إلى معركة ( كسر العظم ) ؛ ما يزال السيدان كيمون والإبراهيمي ولافروف وكيري يسخران من عقول الناس بالإصرار على الدعوة إلى جلسات استعراضية في جنيف كالتي رآها الناس في الجولة الأولى والجولة الثانية من تلك اللقاءات ..

بشار الأسد وفريقه لا يريدون الحل السياسي ، وليسوا مستعدين أن يقدموا أي تنازل سياسي على صعيد هذا الحل . والمرأة صاحبة التصريح الخطير عن مشهد الأطفال الذين أبادهم السارين في الغوطة بأنهم ( أطفال قتلوا في الساحة وحُملوا في حافلات إلى الغوطة ..) ليست مؤهلة أصلا لتكون طرفا في أي حوار لحل سياسي . ليس الكذب والاختلاق وحدهما هما اللذان يشوهان صاحبة هذا التصريح بل إن البعد التحريضي الطائفي في اختيار الساحل كمصدر لجثامين الأطفال هو الذي يعد بحد ذاته جريمة حرب تسعى إلى التحريض على الفتنة والكراهية والاحتراب الأهلي . وسجل بقية أعضاء الفريق الجرمي لا يقل نتنا عن مثل هذه الوقائع والإدانات . في كل دول العالم يطالب كل من يتقدم إلى الخدمة العامة بسجل خاص يثبت براءة ذمته الجنائية . لماذا لا يهتم الإبراهيمي وبان كيمون بمثل هذا بالنسبة للمشاركين في جنيف .

لقد كان الأصدق من بان كيمون ومندوبه الأخضر الإبراهيمي أن يعودا إلى مجلس الأمن الدولي وأن يقولا لقد عجزنا عن إقناع بشار الأسد بالحل السياسي . لأن أول المؤشرات العملية للقبول بالحل السياسي أن يسمح بشار الأسد بقطرة الحليب تبلل شفة رضيع ، تواطأ المجتمع المتحضر على تجويعه . لم نتحدث عن التوقف عن القصف بالبراميل المتفجرة ، ولم نتحدث عن الإفراج عن عشرات الألوف من المعتقلين الأبرياء والقائمة الأولية تطول ..

حين نتحدث عن حل سياسي مستقبلي نتصوره في سورية فنحن لا نظن أننا سنفاوض شركاءنا الوطنيين على حقوقهم الوجودية الأساسية مثل حقهم في الهواء أو في الشمس أو الحرية أو في البقاء خارج قوس قوانين الإبادة كقانون إعدام الإخوان المسلمين القانون 49 / 1980 ، أو في حمايتهم من الاعتقال والتعذيب حتى الموت أو في حقهم في الاعتقاد او الرأي او التعبير أو التمثيل كل هذه الأمور ليست أوراقا تطرح على أجندة المفاوضات . وأقل ما كان ننتظر من حكيم مثل الإبراهيمي ألا يدعو الشعب السوري إلى جنيف إلا بعد أن يثبت الطرف الآخر جديته بالتوقف عن الاستغراق في الظلم والاستمرار في سلب الحقوق ...

نؤمن بالحل السياسي ويجب أن نكون جاهزين لتحمل مسئوليته مع كافة الشركاء الوطنيين فعلى الطاولة الوطنية المستديرة يجلس كل الأفراد تحت مظلة وطنية جامعة لوضع الآليات العملية لترميم ما أصاب مجتمعنا الأهلي وعلاقاتنا المجتمعية على أيدي الظالمين من جراح ، ومواساة القلوب النازفة ، والنفوس المكلومة . والتأسيس للدولة الجامعة ، الدولة الحديثة المجسدة للعدل وللحب وللإخاء ...

الحل السياسي الذي يسعى إلى بناء الدولة الحديثة على أسسها العصرية الركينة التي توافق عليها أهل العصر وليس الحل السياسي الذي يسعى إلى ترقيع مخرّقة المستبدين الفاسدين . وليس هو ذاك الذي يقوم في عقول بعض المستغرقين بالذهان التاريخي الماضوي الذين يقلقوننا أكثر مما يقلقون الآخرين.

الحل السياسي الذي يأخذ شعبنا ومجتمعنا إلى السلام الدائم ويشغلنا جميعا بصناعة مستقبل بهيّ نريده لأبنائنا ولأجيالنا . لا الحلول الوقتية التي تضعنا على فوهة بركان قاعدته تغلي ولا ندري متى يثور ..

باختصار شديد الحل السياسي الذي نسعى إليه ويريده مواطن الشمال ومواطن الجنوب ومواطن السهل ومواطن الجبل على اختلاف الرؤى والخلفيات لا يمكن أن يحضر على طاولة صناعته مستبدون ولا فاسدون ولا قتلة ولا كذابون ولا مهرجون ..

الحل السياسي مشروعنا ونحن أصحابه وكفلاؤه فلا تفسدوه علينا ولا تشوهوه ...

               

* مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية