أوكرانيا ليست سوريا
محمد هيثم عياش
برلين /22/02/14/ تكللت الوساطة الاوروبية التي بذلها وزراء خارجية المانيا وفرنسا وبولندا وبضغوط من موسكو وواشنطن على القيادة الاوكرانية من الحكومة والمعارضة لوقف نزيف الدماء والحيلولة دون وقوع اوكرانيا بفوضى امنية بالنجاح فقد تم يوم الجمعة 21 شباط/ فبراير التوقيع على اتفاقية اجراء انتخابات رئاسة جديدة والحد من سلطات الرئيس واعطاء البرلمان الاوكراني قوة اكثر للمشاركة بالحكم الا ان الشعب الاوكراني استطاع الانتصار يوم السبت 22 شباط/فبراير بعزل رئيسهم الذي غادر كييف يوم الجمعة 21 من الشهر المذكور الى شرق بلاده التي يعتبر اكثر سكانها من المؤيدين لبقاء اوكرانيا تابعة لروسيا وتم اطلاق سراح رئيسة الوزراء السابقة جوليا تيموشينكو .
اطلاق سراح تيموشينكو وعزل الرئيس فيكتور يانوكوفيتش لم يكن ليتم لولا تضامن الاوروبيين وخاصة فرنسا والمانيا وبولندا بسياستهم الخارجية لأنهاء أزمة تلك الدولة ودليل واضح بان الاوروبيين اذا أرادوا انهاء ازمة سياسية او اقتصادية او امنية تعاني دولة اوروبية منها فان ذلك سيتم . استطاعوا انهاء الحرب في البوسنة مع الامريكيين وبذلوا ضغوطهم على القيادة البوسنوية والصربية والكرواتية للتوقيع على معاهدة دايتون عام 1994 التي ساهمت الى استقلال البوسنة بكيانين صربيا والكروات ومعهم المسلمين، وانهاء الحرب في البوسنة ليس شفقة وحبا بالمسلمين بل خشيتهم من قيام دولة اسلامية في وسط اوروبا وهذا ما أكده الرئيس الفرنسي الراحل فرانسوا ميتران عندما زار سراييفو أثناء حصارها من الصرب والكروات ومدافعهم تدك المدينة ، فقد اشار وقتها – لنا معشر الصحافيين – ان الاوروبيين لن يقبلوا رؤية دولة اسلامية أمام أعينهم في اوروبا وعلى هذه الحرب ان تنتهي ، وانتهت الحرب بشكل سريع بالرغم من ان اتفاقية دايتون في غاية الهشاشة والحساسية جراء ظهور نعرات قومية للصرب والكروات الا ان الاوروبيين لهم بالمرصاد ، كما استطاعوا انهاء الحرب في الكوسوفو عندما أعلنوا الحرب ضد صربيا على رغم أنف روسيا واعترفوا باستقلال كوسوفو بالرغم من معارضة الصرب والروس والاغريق / اليونان / ومقدونيا .
الشعب الاوكراني استطاع نيل حريته من جديد ، وما أسفرت عنه الاحداث بأوكرانيا سيمتد ايضا الى روسيا البيضاء / بيلوروسيا / التي لا تزال تعتبر آخر معاقل الديكتاتورية في اوروبا فرئيس تلك الدولة الكسندر لوكاشينكو يحكم بلاده بيد من حديد فشعبه فاقد للحرية تماما ، وقد حاول الاوروبيون مرارا دعم المعارضة بتلك الدولة الا انها فشلت ومارس لوكاشينكو سياسة صارمة مع الاوروبيين فأغلق مكتب الاتحاد الاوروبي ومكتب المنظمة الدولية للامن والسلام والتنمية كما طرد ممثلين لمنظمات انسانية وسياسية من بلاده وبدعم مطلق من روسيا التي استمرت وحتى يوم الخميس المنصرم 20 شباط/فبراير تؤكد دعمها للرئيس الاوكراني علما ان الاوروبيين كانوا دائما يزعمون عدم مقدرتهم على اقناع الرئيس الاوكراني بانتهاج سياسة مرنة مع شعبه الذي استطاع صفع وجه موسكو بقوة ، وانتصار الاوكرانيين على روسيا ورئيسهم خطوة ايجابية نحو انتصار شعب روسيا البيضاء على رئيس بلادهم الذي يعتبر من مؤيدي رئيس نظام سوريا بشار اسد ورئيس كوريا الشمالية كيم يونع اوم .
نجحت الدبلوماسية الاوروبية في اوكرانيا وستنجح ايضا في روسيا البيضاء وأثبتت بشكل جلي بأن تهديدات موسكو الغرب بالويل والثبور وانها لن تصمت اذا ما رحل حليفها يانوكوفيتش عن السلطة وستمنع الاوروبيين من الحصول على الغاز وتوجيه ضربات عسكرية الى حلف شمال الاطلسي / الناتو / اذا تجرأ بالتدخل ضد الشرطة والجيش الاوكراني وذلك لحماية الشعب هذه التهديدات والتغيير السياسي الذي كان الشعب وراءه أثبتت بأن موسكو ضعيفة للغاية ولن تجرؤ على مواجهة الغرب كما انها لن تستطيع مواجهة الدول الاسلامية والاوروبية اذا ما تدخلت عسكريا ضد حاكم سوريا بشار اسد وانهاء مأساة الشعب السوري .
الا ان الغرب لا يريد التدخل في سوريا وانهاء مأساة الشعب السوري ليس خوفا من موسكو فهو يعلم تماما بأن تهديداتها فقاعات هوائية فهي مع بكين عارضتا قرارا مجلس الامن الدولي بحظر طيران فوق ليبيا ومراقبة حلف شمال الاطلسي / الناتو / لاي خروقات بل تدخل / الناتو/ الى صالح الشعب الليبي وانهوا نظام معمر القذافي . وعدم تدخل الغرب ضد نظام سوريا هو من اجل حماية الكيان الصهيوني وضرب اي حركة اسلامية فنظام اسد له باع طويل بحماية الكيان المذكور وضرب اي حركة اسلامية تظهر بمنطقة الشرق الاوسط وهذا ما أكده اكثر خبراء منطقة الشرق الاوسط ، فوزير الخارحية الالماني السابق جويدو فيسترفيليه اكد اكثر من مرة ان الهدف الاول للاسلاميين بعد استلام دمشق تحرير بيت المقدس وتأكيد سفير الكيان الصهيوني السابق ببرلين اوري اينمور رفض الصهاينة وجوها جديدة تحكم سوريا وتهديد مستشار شئون السياسة القومية والامنية دان شوفتان لرئيسي وزراء الكيان السابقين اسحاق رابين واريل شارون بمحاضرته التي ألقاها بجامعة هومبولدت يوم الاربعاء من 19 شباط/فبراير لـن تلا ابيب لن تقف مكتوفة الايدي اذا ما رحل أسد .
سوريا ليست مثل اوكرانيا وروسيا البيضاء فهي لا تقع في اوروبا .
ويا بؤسا للشعب السوري الذي يندب حظه فهو مثل قريط بن أنيف العنبري الذي استولى جماعة من بين اللقيط على إبله ومنزله فاستنجد بقومه فلم ينجدوه فجعل يندب حظه قائلا :
لو كنتُ من مازن لم تستَبح إبلي بنو اللقيطة من ذهل بن شيبانا
إذاً لقام بنصري معشَرٌ خُشُنٌ عند الحفيظة إن ذو لوثة لانا
قوم إذا الشرُّ أبدى ناجذيه لهم طاروا إليه زرافاتٍ ووحدانا
وعلى الشعب السوري الذي يعاني منذ استيلاء حزب البعث على السلطة قبل واحد وخمسين عاما من الذل وفقدان الحريات العامة والقتل والاختفاء والاعتقال ويعاني منذ ثلاثة أعوام من مجازر يفتعلها نظام اسد الذي يمارس قتلا ممنهجا وسياسة الارض المحروقة وتدمير المدن وتشريد اكثر من ستة مليون نسمة وقتله اكثر من مائتي الف شهيد مواصلة انتفاضته وان يثبت للعالم بأنه قادر على تغيير نظام بلاده واعادة الحريات العامة وأثباته بأنه شعب ذو كرامة وأن لا ينتظر النصر من الغرب بل من المسلمين وعليه الاقتداء بقول الشافعي رحمه الله
ما حك جسمك مثل ظفرك وتولى أنت جميع أمورك
والشعب السوري سينتصر وسوف يكون لسان حاله مثل ما أكدت مسئولة شئون السياسة الاوروبية بوزارة الخارجية الامريكية فيكتوريا نولاند للرئيس الاوكراني فيكتور يانوكوفيتش قبل أيام قليلة ضرورة عدم الاهتمام بالاوروبيين قائلة له بالانجليزية / فوك ذا اوروب وسيضيف قائلا آند فوك امريكا آند روسيا / .
وسيأتي هذا قريبا بالرغم من ان البعض يرونه بعيدا.