هل يمكن أن تستفيد إيران من استهداف الناقلات؟
أثارت الهجمات التي ضربت ناقلات نفط يوم الخميس الماضي في خليج عُمان عاصفة من التكهّنات حول الجهة التي تقف بالفعل خلف هذا العمل، وبماذا تم استهداف الناقلات وكيف تمّ تنفيذ العملية. إيران المتّهم الرئيسي بالعملية أنكرت هذا الاتهام وكذلك فعل مناصروها. بحجّة أن لا دليل كافيا على مثل هذا الاتهام. وبدلاً من العمل على تحديد الجهة المسؤولة، طفى إلى السطح سؤال تقليدي أخذ حيّزاً واسعاً في التغطية الأوّلية للحدث تحت عنوان "من هو المستفيد"؟
إيران هي المشتبه به الأول لهذه الأسباب
الهدف لم يكن تحديد الجهة الفاعلة بقدر ما كان إشاحة النظر عنها من خلال الإيحاء بأنّ الطرف الإيراني غير مستفيد من هذه العملية. وفي هذه المرحلة بالتحديد، يتحوّل الدور من البحث عن الجاني إلى إثارة الشكوك حول وسائط اتهام الجهة التي تكون مسؤولة عن الهجوم. إيران هي المشتبه به الأول في هذه العملية، ليس لأن البعض يريد ذلك، بل لأنّ لدى طهران القدرات والخبرات اللازمة لتنفيذ هذا الإعتداء، ولأن لديها تاريخا حافلا في استهداف الناقلات وسبق لها أن انخرطت فيما يُعرف بحرب الناقلات إبان الحرب العراقية ـ الإيرانية.
مع انخفاض صادرات إيران من النفط من حوالي 1800 ألف برميل يومياً الى حوالي 400 ألف برميل، تكون إيران قد دخلت عملياً مرحلة خطرة للغاية
علاوةً على ذلك، فانّ المسؤولين الإيرانيين هددّوا بشكل علني خلال الأشهر القليلة الماضية بمنع الدول الأخرى من تصدير نفطها إذا استمرت الولايات المتّحدة في تطبيق العقوبات على صادرات النفط الإيرانية، بالإضافة الى استهداف القطع البحرية الأمريكية وإغلاق مضيق هرمز إذا اقتضى الأمر. وعليه، من غير المنطقي ترك كل هذه المؤشّرات واللجوء إلى تخمينات لا تستند إلى شيء سوى التفكير بالتمني. بالرغم من ذلك، هناك من يجادل بأنّه لا مصلحة لإيران للقيام بمثل هذه العملية، وهذا ادّعاء خاطئ أيضاً.
مع انخفاض صادرات إيران من النفط من حوالي 1800 ألف برميل يومياً الى حوالي 400 ألف برميل، تكون إيران قد دخلت عملياً مرحلة خطرة للغاية لاسيما فيما يتعلق بوضعها الاقتصادي. هذا الوضع لا يمكّنها من الذهاب للتفاوض مع ترامب لانّها ستبدو في موقع المستسلم، ولا يمكّنها أيضاً من خوض حرب مباشرة مع الولايات المتّحدة الأمريكية لأنّها غير قادرة على ذلك. في مثل هذه الوضعية، يعتمد النظام على أحد الخيارات الخطرة وهو التصعيد المنخفض الحدة، غير المباشر، لكن المتدحرج أيضاً ويتضمن عمليات من قبيل تلك التي شاهدناها في الشهرين الماضيين ومن بينها استهداف الناقلات.
هناك من يعتقد أنّ رفع أسعار النفط من شأنه أن يضر بترشّح ترامب لولاية ثانية العام المقبل
استهداف الناقلات عملية خطيرة فعلاّ وقد تؤدي إلى اندلاع حرب، لكن هذا من الممكن أن يحدث في حال تمّ مواجهة إيران بالأدلّة القاطعة على تورطها. بمعنى آخر، يتيح عامل الإنكار حرمان الطرف الآخر من إطلاق حرب مدمرة أو ردّ رادع على اعتبار أنّه لا يملك الأدلة القاطعة على أنّ إيران هي من قامت بالعملية. وفي هذا السياق، يكفي أن يتأكد النظام الإيراني من أنّ لا يُخلّف أدلة قاطعة وراءه تثبت تورطّه حتى يتملّص من مسؤولية العملية ويكون قد أرسل الرسائل التي يريدها واستفاد في المقابل من تداعياتها.
استهداف الناقلات أدى إلى ارتفاع سريع في أسعار النفط، وفي الوضعية الإيرانية الحالية، فانّ ذلك يعتبر مهماً جداً لتعويض النقص الهائل في كميّة الصادرات. من ناحية أخرى، هناك من يعتقد أنّ رفع أسعار النفط من شأنه أن يضر بترشّح ترامب لولاية ثانية العام المقبل. فضلاً عن ذلك، فإنّ هذه العملية من شأنها أن تخدم مصداقية التهديدات الإيرانية السابقة المتعلقة بضرب السفن الأمريكية أو إغلاق مضيق هرمز.
لكن باعتقادي، الأهم من كل ذلك أنّ هذه العمليات من شأنها أن تشكّل رافعة لإيران في محاولاتها لإقناع الإدارة الأمريكية بالتراجع، وذلك لأنّها تنطوي على رسالة للطرف الآخر بأنّ الجانب الإيراني مستعد للعب على الهاوية وأنّه من الأفضل رفع العقوبات والتراجع عن التصعيد وإلاّ فانّ طهران ستغامر بتصعيد مقابل قد يعرض المصالح الأمريكية ومصالح حلفاء أمريكا في المنطقة للخطر.
وسوم: العدد 829