(من حمل علينا السلاح فليس منا ومن غشنا فليس منا) حديث شريف
مع حلول موعد الامتحانات عندنا كل سنة يتجدد الحديث عن ظاهرة الغش في الامتحانات . وسنة بعد أخرى يزداد الحديث عن هذه الآفة التي هي في زيادة واطراد حيث يخترع الذين يتعاطون الغش أساليب جديدة لم تكن معروفة من قبل خصوصا بعد التطور الكبيرالذي تعرفه وسائل التواصل، والتي غزت كل مكان بما في ذلك قاعات الامتحانات الخاضعة لحراسة مشددة اضطرت مؤخرا إلى استعمال تقنية "الفار" المستعملة في رياضة كرة القدم لضبط حالات الغش التي قد لا يضبطها المراقبون .
ولقد كان من المفروض في بلدنا المسلم أن يكون التعامل مع هذه الآفة كالتعامل مع كل ما نهى عنه ديننا الحنيف ، ولكن مع الأسف الشديد يبدو أنها توشك أن تصير هي الأخرى من المنهيات التي تجرؤ بعض الجهات المارقة من الدين على رفع أصواتها مطالبة بإقرارها كما هو الحال بالنسبة للإفطار العلني في رمضان دون مبرر شرعي مقبول ، وما يات يسمى حرية جنسية أو علاقة جنسية رضائية أو مثلية ... وما شابه ذلك مما لا يقره الإسلام من منكرات.
ومع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أمرنا رب العزة بطاعته فيما أمر وما نهى يسوّي بين حامل السلاح على المسلمين وبين من يغشهم في التبرؤ منهما وهو ما يعني أن جرم الغش لا يقل خطورة عن جرم حمل السلاح والقتل، فإن الغش في الامتحانات صار متفشيا فينا . وإذا كان حمل السلاح يهدد الأرواح ، فإن الغش يهدد القيم الأخلاقية ، وقتل الأخلاق كقتل الأرواح .
ومعلوم أن من يحمل السلاح على الأمة المسلمة معلنا عليها الحرب ،وهو ما بات يسمى إرهابا يعتبر خائنا خيانة عظمى لأمته ووطنه لما يترتب عن جرمه من ضرر يلحق بهما . ومثله في الجرم من يغش الأمة والوطن لما يترتب عن هذا الجرم من ضرر أيضا .
وإذا كان الغش قبيحا في كل المعاملات، فهو أشد قبحا في الامتحانات التي ترتبط بالعلم الذي هو أشرف ما شرف به الله عز وجل الإنسان .
والغش لغة نقيض النصح ، والشيء المغشوش هو غير الخالص ، ويسمى المشرب الكدر غششا ، واصطلاحا هو الخروج عن حسن النية في التعامل ، وهو ظلم في حق من يسبب لهم ضررا ، وفي حق الأمة عموما ، ذلك أن الغاش في الامتحانات يضر بالجاد المجتهد الناجح عن جدارة واستحقاق حيث يشاركه في نجاح غير مستحق بسبب الغش ،كما أنه يضر أيضا بالراسب لأن الغاش رسوبه مستحق إلا أنه يحوله بالغش إلى نجاح غير مستحق .
ولما كان ما يبنى على باطل يعتبر باطلا ، فإن ما يحصل عليه الغاش من علامات غير مستحقة في الامتحانات تمكنه من شواهد غير مستحقة أيضا، تكون المناصب أو المسؤوليات التي تسند إليه غير مستحقة وباطلة ، وما يجنيه منها من مال هوعبارة عن سحت .
وإذا كان الغش في المعاملات التجارية يمحق بركتها كما جاء في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم المشهور : " البيّعان بالخيار ما لم يتفرقا ، فإن صدق البيّعان ، وبيّنا بورك لهما في لهما في بيعهما ، وإن كتما وكذبا فعسى أن يربحا ربحا ويمحقا بركة بيعهما " . ومعلوم أن حكم الغش في الامتحانات كحكم الغش في المعاملات التجارية ، لأن الغاش فيه يتكتم ويكذب أيضا، وما يحصل عليه الغاش فيها من نجاح يمحق بركتها أو بتعبير آخر مصداقيتها عند الله عز وجل وهي وزر يحمله يوم القيامة .
وبالرغم من تشديد رسول الله صلى الله عليه في الحكم على الغش الذي هو كحمل السلاح لسفك الدماء ، فإن ناشئتنا المتعلمة مع شديد الأسف تتعاطاه ، وترى في ذلك ذكاء وشطارة غافلة عن حكمه الشرعي، وهو الخروج بسببه من دائرة الانتماء إلى الإسلام كما جاء في حديثه عليه الصلاة والسلام الذي تبرأ فيه من حامل السلاح على المسلمين وممن يغشهم .
والمؤسف أن بعض من يوكل إليهم حراسة الممتحنين تأخذهم الرأفة بالغاشين ، فيغضون عن غشهم الطرف ، وهم بذلك مشمولون ببراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم ، وبالخروج من دائرة الإسلام ، لأن الساكت على الغش مشارك فيه بسكوته ، وهو غاش أيضا .
ومن المؤسف أيضا أن يحرص أولياء أمور المتعلمين على حصول أبنائهم على علامات وعلى شواهد وعلى مناصب دون التحري في طريقة حصولهم على ذلك وهم يعرفون مستويات أبنائهم التي لا يمكن أن تمكنهم مما حصلوا عليه ، وقد يكون لدى بعضهم شبه يقين بتورط أبنائهم وبناتهم في الغش، ومع ذلك يغضون الطرف عنهم ، ويرتاحون لما حصلوا عليه عن طريق الغش . وقد يوحي بعضهم إلى الأبناء والبنات بالغش وهم يطالبونهم بنتائج جيدة في الامتحانات مع علمهم بتكاسلهم وتقصيرهم في التحصيل وإقرارهم على ذلك عوض حرصهم على توجيههم إلى الجد والاجتهاد في التحصيل .
ومعلوم أنه سنويا يتم الإعلان عن حالات الغش بنسب مقلقة ، ويبلغ أولياء الأمور بتلك الحالات إلا أن بعضهم لا يخجلون من نفي الغش عن أبنائهم وبناتهم مع توفر الحجج الدامغة من خلال ما يضبط من وسائل غش مادية شاهدة عليه بل قد يلتمس بعضهم الأعذار لهم ، ويعمدون إلى تبريرات واهية من قبيل ذكر البطالة المهددة لمستقبل أبنائهم وبناتهم .
ولا تخلو الامتحانات عندنا من تعرض بعض المراقبين للعنف من طرف الغاشين الذين يضبطونهم، الشيء الذي يعني أن العنف صار مصاحبا للغش ، وصار الغاش يحمل السلاح على من يراقبه ويعتدي عليه .
وتجدر الإشارة إلى أن تصحيح أوراق الامتحانات إذا ما أخل المكلفون به بضوابطه يعتبر غشا أيضا سواء بخس المصححون المتعلمين إجاباتهم أو تساهلوا في التنقيط فأعطوهم نقطا غير مستحقة .
وأخيرا نقول ليكن في علم المتعلمين وأولياء أمورهم ومن يراقبهم أن محاربة الغش واجب ديني وهو من صميم التدين ،لأن الأمة المسلمة إنما وصفت بالخيرية لأنها تقوم بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ومن النهي عن المنكر النهي عن الغش في الامتحانات .
وسوم: العدد 829