استشهاد مرسي وانتصار الإخوان و(الربيع)
جميل أبو بكر
قتل الرئيس مرسي في سجون الانقلابيين في مصر، كما قتل قبله كثيرون، وسواء كان القتل مباشرا ومعلنا وبأدوات القتل او التصفية المعروفة، او بصورة بطيئة ممنهجة وسرية، فإنه واحد في مغازيه ونتائجه؛ فاحتجاز السجناء وبخاصة الابرياء الشرفاء في ظروف صعبة وقاهرة، ومنع الاطباء والمحامين والاهلين من زيارتهم ومتابعة شؤونهم، وتلبية احتياجاتهم الضرورية، ومحاولات اذلالهم والتضييق المستمر عليهم، بل والتفنن في ذلك، قتل متعمد مع سبق الاصرار. لن يكون مرسي آخر الشهداء سواء من القادة او من غيرهم في هذه الجماعة المباركة او من غيرها من ابناء مصر، الذين نذروا انفسهم من أجل نهضة الامة وعزتها.
أراد الانقلابيون المستبدون والدمويون الذين يقتلون مصر في كل يوم، قتل ارادة التحرر والكرامة والنهوض في نفوس الشباب في مصر وفي غيرها. ارادوا بما يمثلوه من افكار الثورة المضادة واهدافها ردع الشعوب عن التفكير في التحرك مهما كان سلميا للمطالبة بحقوقها الفطرية والطبيعية، في الحرية والحياة الكريمة بأولوياتها واسسها السليمة. لقد انتصر مرسي كما انتصرت قيم رفيعة بثباته ووفائه وشموخه، وهذا ما يغيظ الانقلابيين وداعميهم من اعداء الامة الداخليين والخارجيين، والسؤال هو كما في الاية الكريمة «هل يذهبن كيده ما يغيظ «؟. ارتقاء مرسي شهيدا انتصار كبير له وللمشروع الذي آمن به وجاهد من اجله، وهو انتصار لجماعة الاخوان المسلمين، حيث انهم لم يتنازلوا او يهونوا من اجل مبادئهم وحقوق شعبهم وكرامته واختياراته الحرة ومصالحه العليا، كما انهم رغم كل اللئواء وشراسة الخصوم ودموية الاعداء لم ينقلبوا على اعتدالهم ووسطيتهم . انه انتصار لجماهيرالربيع التي تتمسك بحقوقها ،وهويتها الثقافية والحضارية .فقد عبر ثبات الرئيس مرسي البطولي عن صحة اختيارها، وعن استعداد هؤلاء القادة المختارين للتضحية بأرواحهم وفاء لعهودهم مع هذه الجماهير في زمن النخاسة والفساد والنذالة.
ان سنن الله سبحانه في الخلق ووقوانين الحياة البشرية ، والتي لايؤمن بها المستبدون الفاسدون ،تؤكد في كل يوم ان دماء الشهداء وتضحيات الطلائعيين المخلصين ،تعيد احياء القضايا وترسيخ الحقوق وتوريثها زاهية للاجيال، وتحفز طاقات الشعوب وتصقل ارادتها. ولتتذكر هذه الطلائع وهذه الجماهير وعيد الله جل وعلى لأعدائها هؤلاء «فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا».
قد يقال ان للاخوان اخطاء سياسية، او قصور في بعض الرؤى والقدرة في التعامل مع الواقع، وقد يكون هذا صحيحا ولو نسبيا، وفي ظروف صعبة ومعقدة، والذي يقتضي مراجعات وعمليات تقييم علمي ومنهجي، كما ان هذا يجب ان يكون حقيقيا، وان لا ينظر اليه باعتباره ترفا او امرا هينا. لكن لم ينفك الاخوان يقبضون على جمر مبادئهم ووعودهم ويتمسكون بمنهجهم وقيمهم، وفي كثير من زوايا الارض او الاوطان العربية والاسلامية وفي مقدمتها فلسطين، يتصدرون حركات الدفاع عن حقوق الشعوب ،وقضاياها المهمة ،وفي مقدمة من يضحون في هذا الخضم بكل ما يستطيعون، ويعبرون عن بعض استجابات الامة التي هم جزء منها ، في مواجهة التحديات والاخطار، ويتلقون سهام الباطل من مختلف الجهات.
ان الخبرات وعلوم الواقع ومهارات الادارة يمكن اكتسابها بسهولة وبخاصة حين تتوفر الارادة الحازمة والرغبة الاكيدة للنجاح، وهذا متوفر بأقدار طيبة فيهم، وبدون ادنى شك فإن ضعف الاسباب يؤخر الانجاز ويجعل المشروع في تعثر مزمن. ولكن ان فقدت الاخلاق او ضعفت القيم ووهنت الارادة المبدئية، فقد اّذن المعنيون بالافول. ويبقى التوجيه القرآني يسكب الطمانينة في القلوب ويحي الامل في النفوس، ويرسم نهج العزة والفوزفي الدنيا والاخرة،»يا ايها الذين امنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون».
رحم الله الرئيس المنتخب الشهيد محمد مرسي، واسكنه فسيح جناته في عليين مع الصديقين والشهداء والصالحين.
وسوم: العدد 830