نحو أمة عربية واحدة هل الشَرذَمة قدر الأمة العربية المعاصِرة؟
منذ عُلمنا في أواخر الابتدائية وفي الإعدادية أننا في فلسطين الشهيدة ننتمي إلى وطن عربي كبير وأمة عربية وإسلامية ماجدة كبيرة, وكذلك عُلمنا مقومات الوحدة العربية وأسسها, تولد لديّ شعور أن العرب ينبغي أن يبقوا أمة واحدة، ولا بقاء ولا شوكة لهم دون وحدة تامة وشاملة، رغم توفر كل عناصر الإحباط والشد العكسي، بل ونسف فكرة الوحدة من أساسها وجوهرها.
وعليه كنت أجفل عندما أسمع مصطلحات تطل هنا وهناك مثل: الثقافة المصرية أو الأدب الجزائري أو الأدب الفلسطيني (ولقد تحدثت في مرحلة مبكرة من حياتي يوم قرأت للمرحوم عبد الرحمن ياغي عنوانا لكتاب نشره سنة 1981 نصه: "حياة الأدب الفلسطيني الحديث". وقلت لزملاء لي على هامش نقاشاتنا في الجامعة: ليته وضع كلمة "الفلسطيني" بين قوسين) .
كنت أخشى أن تصبح سنة بين الكتاب: هذا يكتب عن الشعر العراقي، وذاك يكتب عن الشعر اليمني، وتلك تكتب عن الأدب العُماني، وذاك يكتب عن الأدب الموريتاني... وهلم جرا. وكان طرحي البديل هو استخدام: الشعر العربي في ......، والأدب العربي في ...، وما زلت أخشى إن ظل الميل نحو التقوقع سيد الموقف أن تصبح هناك أمة كويتية وأمة فلسطينية وأمة تونسية، وهلم أمما.
إن العرب مجتمعين، وكذلك المسلمين مجتمعين، يُعتبرون اليوم من الأمم الضعيفة في الميادين كافة، خلا دولة هنا ودولة هناك، والسبب ليس فطريا، بل هو نتيجة لعوامل شتى منها اهتراء نظم التعليم، وكذلك غياب الديموقراطية والشورى، ناهيك عن التلوث السياسي وغياب تكافؤ الفرص، وعدم وضع الشخص (أو الشخصة ) المناسب في الموقع المناسب، إلخ...، ولا يُعتبرون بمجموعهم ذوي شأن في الساحة العالمية, فكيف سيكون الحال، وهم أشتات دويلات متناحرة ومتقاتلة؟
طافت بعقلي هذه الأفكار لحظة سماعي نبأ رياضيا يقول إن الإمارات اختارت حيوان الظبي رمزا لبطولة رياضية ما، تقوم بها وإنها اختارت الظبي تعبيرا عن الثقافة "الإماراتية "! طبعا, الإمارات ليست وحدها في هذا التصرف المرفوض من كل عربي يؤمن بأن العرب والمسلمين ليس أمامهم من خيار إلا الوحدة سبيلا لقوة مرجوة، وإلا فالتدهور والفشل في الجوانب كافة سيكون حليفهم إلى أجل لا يعلمه إلا رب العزة.
والطريف أن الشعوب العربية والإسلامية في معظمها تتوق للوحدة، وترى الشعوب يتعاطفون مع الأحداث والحوادث والنوائب التي تعصف بهذا القطر أو ذاك, فترى ابن نابلس يهمه أمر ابن الجزائر، وابن الرباط يهتم بأمر ابن صلالة، وابن حلب يتعاطف مع ابن عدن، وهكذا.
إن التوق لوحدة عربية وإسلامية شاملة لا يلغي كما يتوهم كثير من الانعزاليين خصوصية كل قُطْر، بل لا ضير في الحديث مثلا عن لهجة عراقية أو لهجة مصرية أو لهجة فلسطينية، إلخ... فكلها لهجات، بنات للغة الأم العريقة، لغة القرآن الكريم، اللغة العربية الغراء. ولا غضاضة في الحديث عن أكلة مغربية أو أكلة سورية أو أكلة سودانية وهلم جرا. ولا غضاضة أيضا في الحديث عن لباس ليبي أو لباس أريتري أو لباس تشادي أو لباس عُماني، إلخ...
فيا قوم, علينا الاهتمام بكل ما يوحدنا كأمة, ففي وحدتنا قوتنا ومنَعتنا، وهي مفتاح بقائنا وتقدمنا وازدهارنا واحتلالنا مكانا لائقا، بل في الصدارة بين الأمم, ولعلنا عندها نجيب على قول الشاعر:
أمتي هل لك بين الأمم منبر للسيف أو للقلم؟
وسوم: العدد 831