قانون العار ومهزلة مجلس الشعب الذي أقره
في مثل هذا اليوم السابع من تموز عام 1980 صادق ما يسمى مجلس الشعب السوري على قانون العار رقم 49 الذي أصدره حافظ الأسد والذي تنص مواده على:
المادة 1 – يعتبر مجرماً ويعاقب بالإعدام كل منتسب لتنظيم جماعة الإخوان المسلمين.
المادة 2 –
أ-يعفى من العقوبة الواردة في هذا القانون أو أي قانون آخر، كل منتسب إلى هذه الجماعة، إذا أعلن انسحابه منها خلال شهر واحد من تاريخ نفاذ هذا القانون.
ب-يتم إعلان الانسحاب بموجب تصريح خطي يقدم شخصياً إلى المحافظ أو السفير لمن هم خارج القطر بتاريخ صدور هذا القانون.
المادة 3 – تخفض عقوبة الجرائم الجنائية التي ارتكبها المنتسب إلى تنظيم جماعة الإخوان المسلمين، قبل نفاذ هذا القانون لمن هم داخل القطر وخلال شهرين لمن هم خارجه وفقاً لما يلي:
أ-إذا كان الفعل يوجب الإعدام أو الأشغال الشاقة المؤبدة أو الاعتقال المؤبد، كانت العقوبة الأشغال الشاقة خمس سنوات على الأكثر.
ب-إذا كان الفعل يؤلف إحدى الجنايات الأخرى كانت العقوبة الحبس من سنة إلى ثلاث سنوات.
المادة 4 –يعفى من عقوبة الجرائم الجنوحية المرتكبة قبل نفاذ هذا القانون، تحقيقاً لأهداف تنظيم جماعة الإخوان المسلمين كل منتسب إلى هذه الجماعة إذا سلم نفسه خلال شهر واحد من تاريخ نفاذ هذا القانون لمن هم داخل القطر وخلال شهرين لمن هم خارجه.
المادة 5 – لا يستفيد من التخفيض والعفو الواردين في هذا القانون الذين هم قيد التوقيف أو المحاكمة.
المادة 6 – ينشر هذا القانون في الجريدة الرسمية ويعمل به من تاريخ صدوره.
أما عن مداولات مجلس الشعب للقانون العار السيء الذكر فنستعرض بعضاً منها:
نشرت الجريدة الرسمية السورية في العدد 17 مكرر تاريخ نيسان 1982 مداولات مجلس الشعب للقانون 49 ونحن ننقلها حرفياً كما وردت في الجريدة الرسمية لتكون شاهداً حياً على الظلم الذي مارسه حافظ الأسد بحق السوريين خلال هذه الحقبة المظلمة من تاريخ سورية.
وكانت أولى المداخلات لعضو مجلس الشعب السيد عبد الله موصللي الذي اعترض على القانون المشؤوم وهو العضو الوحيد الذي تجرأ واعترض على مشروع القانون، والذي قال:
"إن طلب استعجال النظر لهذا المشروع هو في غير محله وذلك للأسباب التي سأبينها: لقد نص النظام الداخلي على أنه يجوز للسلطة التنفيذية أو لأي عضو كان أن يطلب استعجال النظر في أي موضوع يراه مستعجلاً، فيحال إلى اللجان المختصة وعلى هذه اللجان أن تبت في هذا الموضوع خلال خمسة أيام، فكما تعلمون سيدي الرئيس فإن دورتنا الحالية تنتهي في منتصف هذا الليل أي بعد خمس ساعات ونصف، فكيف يحق للجنة أن تتريث وتنظر في هذا الموضوع في خمسة أيام، هذا من جهة كما يجب أن تقوم اللجنة الدستورية أولاً بالبحث في دستورية أو عدم دستورية هذا المشروع فيحال إلى المجلس وتجري المناقشة بشأنه فإما أن يقر دستورياً أو يرفض دستورياً على ضوء الملاحظات التي ستبديها اللجنة، ثم يحال إلى اللجان المختصة لدراسته موضوعياً، وعلى هذه اللجنة كما أسلفت أن تقدم تقريرها خلال مدة خمسة أيام".
سيدي الرئيس: "إن جميع الندوات العالمية التي جرت ولا سيما الندوة الأخيرة العربية التي جرت في القاهرة عام 1976 والتي اشتركت فيها سورية قد طلبت جميعها إلغاء عقوبة الإعدام".
سيدي الرئيس: "من هذا المنطلق وحيث أن الدستور قد نص على أن السيادة للقانون فكيف يمكن أن نعطي سيادة لقانون يُقر في ظرف خمس ساعات؟ إن الموضوع خطير جداً أطلب من الإخوة الأعضاء عدم الموافقة على الاستعجال فيه وأن يبحث عن ترو وبإمعان وبدقة لمعرفة الأسباب الاجتماعية والسياسية والإنسانية والنفسية لإقرار مثل هذه العقوبة، وانسجاماً مع المبادئ الأساسية التي حافظتُ عليها عشرين سنة وأنا في هذه المجالس التشريعية وذلك للحفاظ على النظام والدستور، وسوف أعلن أمام الجميع بأنني لن أحضر جلسة اللجنة الدستورية التي أنا عضو فيها كما أنني لا أناقش في هذا المشروع حال إقرار استعجال النظر فيه وشكراً".
ثم تكلم العضو تحسين الصفدي قائلاً:
"لا يوجد إنسان على وجه الأرض يقر بالجريمة أو يوافق عليها أو ينفذها، لأن مجرد حمله كلمة إنسان أصبح مكلفاً شاء أم أبى أن يحافظ على أخيه الإنسان ويرعى ذمته وعهده. إذن نحن جميعاً ضد كل الجرائم التي ترتكب في هذا الوطن خاصة وفي العالم أجمع. نحن مع كل القوانين التي من شأنها الحفاظ على هذا الوطن والحفاظ على هذا الشعب الكريم وكرامته ودينه وجميع معتقداته.
أنتم أمام قانون غير كل القوانين فأناشدكم الله وأناشدكم ضميركم بأن تناقشوا كل مادة مناقشة حكيمة مخلصة لوجه الله وأن تعطوها حقها من الدراسة الكاملة وليعلم كل منكم بأنه المسؤول أمام الله عن كل حرف وكل كلمة تقرونها وتوضع موضع التطبيق فلا يوافق أحدكم على شيء إلا بعد قناعته التامة بأنه أرضى الله وأرضى ضميره وهو راض عنها. كما أناشد جميع العلماء والمفكرين والعاملين في حقل السياسة والوجهاء ورجال الفعاليات الفكرية والاقتصادية ورجال الأحياء ليعاهدوا الله على السعي للوصول للطريق السليم ومناقشة الوضع الحاضر وتشخيص المرض الذي نحن فيه وإيجاد الدواء بالحكمة المخلصة. إن شعبنا طيب مؤمن لذلك عندما نجد من يستطيع دراسة أوضاعه وإيجاد الحل لها والسير جميعاً لخدمة هذا الوطن والحفاظ على ترابه الغالي والحفاظ على دم الأبرياء والحد من الفوضى والسعي لتطبيق سيادة القانون على الجميع، فأنا مقتنع كل القناعة عندما نتعاهد جميعاً للوقوف صفاً واحداً ضد عدو يريد بنا شراً وعندما يأخذ كل فرد ممن ذكرتهم دوره في المعالجة والإصلاح لا من الزاوية التي ينظر إليها حسب رأيه فقط، بل من كل الزوايا التي تخص هذا الوطن عند ذلك سنرى بأن الشعب كله مواطن واحد مخلص يضحي بكل غال ورخيص في سبيل وطنه وأمته. إذن المسؤولية لحماية هذا الوطن والوقوف في وجه كل من يريد الأذى له هي أمانة بعنق كل من يستطيع المساهمة ولو بكلمة طيبة في سبيل تحقيق الوحدة الوطنية وصيانة الحقوق لكافة أفراد الشعب والوقوف صفاً واحداً متراصاً في وجه كل أعداء هذا الوطن وشكراً لإصغائكم".
وطبعاً كان هناك كلمات لبعض الأعضاء ممن ران على قلوبهم الضلال والعمى تنافسوا في تزكية القانون والمديح لحافظ الأسد حتى أوصلوه إلى مقام الربوبية والعياذ بالله تعالى نأنف من الإتيان عليها أو ذكرها لبشاعتها ودناءتها.
ولما كان الأمر مبيتاً وبأوامر من حافظ الأسد شخصياً باستعجال النظر بهذا القانون المشؤوم أقر المجلس وبأغلبية أعضائه ال(130) النظر فيه وإقراره.
ففي يوم السادس من تموز 1980 اجتمع مجلس الشعب علناً برئاسة رئيسه السيد محمود حديد وعضوية أميني السر السيدين توفيق النقري ووفيق عرنوس بالإنابة، وحضور أكثرية الأعضاء، وحضور عدد من الوزراء، وبعد الاطلاع على مشروع القانون وأسبابه الموجبة وعلى قرار المجلس باستعجال النظر في جواز النظر فيه وعلى مضمون مواده مادة مادة. وبعد إجابة السادة الوزراء على كافة تساؤلات السادة الأعضاء قررت اللجنة بالأكثرية جواز النظر فيه، لعدم مخالفته لأحكام الدستور.
في حين رأت الأقلية أن المادة (5) من المشروع تخالف المادة (30) من الدستور التي تقول بعدم رجعية القوانين في الأمور الجزائية.
وكانت النتائج المترتبة عن هذا القانون نصب العشرات من المجازر في معظم المدن السورية، وكان من أوحشها وأدماها مجزرة حماة الكبرى في الثاني من شباط عام 1982، حيث أطبق عليها جيش حافظ الأسد العقائدي براً وجواً بقيادة أخيه المجرم رفعت الأسد مستبيحين المدينة بوحشية لم يذكر التاريخ مثيلا لها، فقد تم فيها ذبح الأطفال وبقر بطون الحبالى وقتل النساء والرجال بأساليب همجية أتت على ما يزيد على أربعين ألف ضحية، وتهديم البيوت على ساكنيها، وتهجير ما يزيد على مئتي ألف مواطن من أهلها.
وسبق مجزرة حماة البشعة مجزرة دموية خسيسة في سجن تدمر الصحراوي، فقد شهد يوم 27/6/1980 مجزرة دامية في قلب صحراء تدمر، نفّذتها ميليشيات سرايا الدفاع التي يقودها المجرم رفعت الأسد بحقّ المعتقلين في سجن تدمر، مما أدّى لمقتل ما يزيد عن 1000 معتقل، جلّهم من العلماء والمفكرين والأطباء والمهندسين والضباط وأساتذة الجامعات، تم إعدامهم رمياً بالرصاص وبالقنابل اليدوية بدم بارد.
وجاءت المجزرة بعد تعرض حافظ الأسد لمحاولة اغتيال فاشلة في 26/6/1980، أي قبل يوم من المجزرة، من قبل أحد عناصر حرسه الجمهوري.
وقد تمكّن منفّذ المحاولة من الفرار خارج سورية، ولكن أجهزة الأمن اعتقلت 56 فرداً من أفراد أسرته وأقاربه، وتم إعدامهم جميعاً.
وأدّت هذه المحاولة التي اتُهم فيها الإخوان المسلمين إلى صدور قانون العار الآنف الذكر 49/1980، والذي أقرّ بعد أحد عشر يوماً، كما أدّت إلى وقوع المجزرة في اليوم التالي.
وكانت المجزرة المروعة في اليوم التالي 27/6/1980 انتقاماً من المعتقلين الإسلاميين في سجن تدمر الصحراوي.
وقد بقيت أنباء مجزرة تدمر غامضة، كما معظم المجازر التي تمّ ارتكابها في سورية في فترة الثمانينيات، إلى أن تمّ اعتقال المجموعة التي نفّذت محاولة اغتيال رئيس الوزراء الأردني الأسبق مضر بدران في عمّان في عام 1981. حيث كان بعض عناصر المجموعة المنفّذة ممن شاركوا في المجزرة، فقدّموا تفاصيل المجزرة والمسؤولين عنها في التحقيقات التي عرضها التلفزيون الأردني آنذاك.
وسوم: العدد 832