دلالات حديث "تقوم الساعة والروم أكثر الناس"

عن المستورد الفهري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تقومُ الساعةُ والرومُ أكثرُ الناسِ". فقالَ لهُ عمرو بن العاص: أبصرْ ما تقولُ؟ قال: أقولُ ما سمعتُ مِنْ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ. قال عمرو: لئنْ قلتَ ذلكَ، إنَّ فيهِمْ لخصالًا أربعًا: إنهُمْ لأحلمُ الناسِ عندَ فتنةٍ، وأسرعُهمْ إفاقةً بعدَ مصيبةٍ، وأوشكُهمْ كرَّةً بعدَ فرَّةٍ، وخيرُهمْ لمسكينٍ ويتيمٍ وضعيفٍ، وخامسةٌ حسنةٌ وجميلةٌ: وأمنعُهُمْ مِنْ ظُلمِ الملوكِ. رواه مسلم.

والروم هم أهل الغرب في زماننا.

قال أهل العلم: بسبب هذه الخصال الحضارية، التي ذكرها عنهم الصحابي عمرو بن العاص، قد آلت إليهم الدولة، وسادوا البلاد والعباد.

قلت: حتى تؤول الدولة والسيادة والريادة للمسلمين ثانية لا بد من أن نتقدم عليهم في هذه الخصال الحضارية، وغيرها من الخصال.

ويُقال كذلك: ما كانت لتكون هذه الخصال الحضارية عند أهل الغرب، إلا لوجود نظام سياسي متحضر ومتقدم، قادر على إفراز مثل هذه الخصال الحضارية.

فهذه الخصال الحضارية مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالنظام السياسي الحاكم. لا يمكن أن تتحقق في ظل نظام ديكتاتوري فاسد مستبد، متسلط بالجبروت، تنعدم فيه مساءلة الحاكم ومحاسبته.. فثناء عمرو بن العاص رضي الله عنه على تلك الخصال الحضارية التي يتحلى بها أهل الغرب، هو في حقيقته ثناء منه على نظامهم السياسي الذي يسوسهم، والذي أفرز لهم تلك الخصال الحضارية.

وفي الحديث إغراء وحض خفي وغير مباشر للمسلمين بأن يلتمسوا لأنفسهم الخصال الإيجابية للنظام السياسي في الغرب.

الذي يحدد للحاكم حقوقه وواجباته، وصلاحياته، ويمنعه من الظلم، والاستبداد، والتسلط بالجبروت. كما يحدد آليات مساءلته ومحاسبته. وتنصيبه وإقالته عندما تقتضي الحاجة إلى ذلك بيسر وسهولة، وبطريقة متحضرة من غير ثورات، ولا سفك للدماء!

وفي الأثر: "الحكمةُ ضالةُ المؤمنِ حيثما وجدها فهو أحقُّ بها". وإن كنت أجزم أن إيجابيات النظام السياسي في الغرب، قد كان للإسلام السبق في الإشارة إليها، والتدليل عليها، لكن وللأسف قد اهتدوا إليها، وضللنا عنها، وحُكِمنا دهراً بنظام جبريّ، مستبد، متسلّط بالجبروت.. الإسلام منه براء!

وسوم: العدد 832