حاجاتنا بلا حدود، حقوقك في التنمية الاقتصادية (1)

جميل عودة ابراهيم

مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات

 قائمة حاجاتنا تبدأ ولا تنتهي، فعندما نشعر بالجوع؛ نريد أن نأكل أي شيء، يمكن أن يسد جوعنا. وعندما يتوفر لنا طعام كثير، فإننا نطلب المزيد منه، فنتخير بعضه؛ ونترك بعضه، بل نرمي بعضه. إننا لن نتوقف عن الأكل قط.

 حينما لا نجد ما يستر أجسادنا؛ فإننا نلبس أي قطعة قماش نعثر عليها، ولو كانت مستخدمة ورثة. وعندما تتوفر لنا ملابس كثيرة؛ فإننا نرغب بشراء المزيد منها، وبعضنا لا سيما النساء، يستبدلن هندامهن، كل شهر أو كل فصل، حسب الموديلات الجديدة في الأسواق. إننا لن نتوقف عن الشراء قط.

 نحن دائما نحلم في اليقظة والمنام (إلى درجة القلق الشديد) بالسكن، فمن لا سكن له لا وطن له، ونعمل حياتنا كلها من أجل أن ننعم ببيت لائق، يحفظ خصوصياتنا، ويريحنا من هم دفع بدل الإيجار، ولكن ما أن نتملك شقة صغيرة؛ فإننا سرعان ما نحلم بشقة كبيرة أو بيت كبير. وإذا حالفنا الحظ؛ وحصلنا على بيت كبير؛ فإننا سنحلم ببيت أكبر، فيه حديقة كبيرة. وهكذا لو امتلكنا بيتا؛ فإننا سنعمل من أجل الحصول على بيت ثان للاستفادة من بدل إيجاره في تحقيق حاجاتنا الأخرى. إننا لن نتوقف عن شراء العقارات أبدا.

 بعض الشباب يرغب بشراء سيارة، يستعين بها على قضاء حاجاته، فيجمع بعض المال، ويستدين بعضه، حتى يحصل على سيارة، ولو كانت متواضعة وقديمة، ولكن ما أن يقضي منا وطرا؛ حتى يفكر بشراء سيارة جديدة، ثم يبيعها ليشتري أحدث السيارات موديلا، وهكذا... لن نتوقف عن شراء السيارات الحديثة أبدا.

 إلى وقت قريب، كان في كل منزل (على الأقل في المدن) هاتف أرضي واحد، يتوصل الناس من خلاله مع ذويهم وأصدقائهم وزملائهم، وكان هذا الهاتف يغطي جزءا كبيرا من حاجات الأسرة جميعها، ولكن مع دخول الهاتف الخلوي، أصبح لكل منا هاتفه الخاص، لا يتشاركه مع أفراد أسرته، ويتواصل فيه مع الآخرين، وهو مخزن لإسراره الخاصة والعائلية والوظيفية، ومحرم على الآخرين الاطلاع عليه ومعرفة محتواه، واليوم؛ لم نعد نتملك هاتفا خلويا واحد، بل أثنين أو ثلاثة، كل حسب حاجاته وعلاقاته. وهكذا... لن نتوقف عن شراء الهواتف الذكية قط.

 عندما نكون عاطلين عن العمل؛ فإننا نفكر بالحصول على فرصة عمل دائما، ولا نريد غير العمل، فالحاجة إلى تحصيل المال؛ ثم إنفاقه على حاجاتنا المتعددة هي الأساس. ولا نمل، ولا نكل من التواصل مع المؤسسات الحكومية؛ للحصول على وظيفة في القطاع العمومي. ونحن على استعداد أن نقترض مالا من أجل أن ندفعه للوسيط؛ إذا طلب منا ذلك. ونجول بين أصحاب المؤسسات الخاصة؛ والمصارف؛ والأسواق؛ والمطاعم للظفر بفرصة عمل، حتى لو كانت مؤقتة، فالعمل عز، والبطالة مذلة.

 ولكن ما أن نحصل على عمل حتى نرغب بعمل أفضل منه، من حيث المسؤولية، وأفضل منه من حيث العائد المالي، ولذلك فمنا من يطالب مسؤوله بالعلاوة والترقية، ومنا من يبحث عن وظيفة جديدة تتلاءم مع خبراته المكتسبة ومهاراته. ومنا من يذهب إلى أبعد من ذلك، فينشأ له عملا خاصا به، فيكون هو السيد؛ وهو رب العمل؛ وهو المستفيد الأول. وهكذا... لن نتوقف عن المطالبة بفرصة عمل وتحسينها أبدا.

 في حياتنا الاجتماعية، يسعى الواحد منا أن يحصل على زوجة، تشاركه بقية حياته، فإذا تزوج بامرأة بدأ يفكر بالزوجة الثانية والثالثة وربما الرابعة. وإذا لم يرزق بطفل يحفظ غرزة البقاء لديه، فانه على استعداد أن ينفق ما عنده من مال للحصول على طفله الأول، فإذا رزق بالأول وكان ولدا فكر بالطفل الثاني عسى أن يكون بنتا، وإذا كان بنت طلب ولدا، وإذا كانت خلفته بنات؛ طلب أولاد، وإذا كانت خلفته أولاد طلب بنات، وهكذا... لن نتوقف عن طلب الأولاد أبدا.

حاجاتنا كثيرة، ومتعددة، ومتجددة، ولا تنتهي، ولا تتوقف مازلنا على قيد الحياة، وكلها أو معظمها يتطلب المال، والمال اللازم لسد حاجاتنا يتطلب الحصول على فرصة عمل لدى الآخرين، أو خلق فرصة عمل مستقلة، أو تطوير مهاراتنا، وتعزيز خبراتنا المهنية، أو الحصول على تعليم جيد، أو حيازة شهادة جامعية، أو المطالبة بالترقية والعلاوة، وغيرها من الأنشطة المدرة للمال والربح.

بالمال نسد حاجاتنا، ونحقق أهدافنا، ولكن ينبغي أن نلتفت إلى أمر في غاية الأهمية، وهو أن المال ليس غاية مقصودة لذاتها، بمعنى أننا لا نسعى للحصول على المال من أجل المال، فمثلا نجمع المال، ثم نخزنه في خزائنه، أو نودعه لدى المصارف، ثم نجمع المال ونخزنه، وهكذا... مثل عمل هواة جمع الطوابع، فان مثل هذا الفعل إنما هو فعل مستنكر، بعيد عن العقل والمنطق والحكمة التي وجد المال من أجلها، لأن المال هو وسيلة لتحقيق رغباتنا وأهدافنا وغاياتنا.

لذا... من المهم جدا؛ عندما نريد أن نلبي حاجاتنا الحياتية؛ أن نفكر بما يأتي:

1- كيف نجمع المال:

 إن سد حاجاتنا الحياتية عن طريق جمع المال؛ ينبغي أن يكون على وفق الأصول الصحيحة، أي أنه لا يتعارض ورغبة الآخرين في سد حاجاتهم، ولا يسلبهم هذا الحق. فلا ينبغي أن نسد حاجاتنا من المال من خلال سلب أموال الآخرين. فيمكن أن يحصل بعض الناس على أموال تسد حاجاتهم من خلال طرق غير مشروعة، مثل: سرقة المال من المصارف، أو اختلاس المال الذي بين يده من مؤسسة حكومية، أو غش الشريك أو الالتفاف على الاتفاقات والعقود، أو قتل صاحب المال وأخذ ماله، أو التلاعب بالأسهم أو أي عمل غير مشروع يفضي إلى الحصول على مال الآخرين.

ويمكن أن نحصل على أموال تسد حاجاتنا من خلال طرق مشروعة ونظيفة وقانونية وأخلاقية، مثل: التجارة، والعقود، والشراكات، وتشغيل الأموال، وبيع العقارات وشراءها، والاستثمار، وغيرها من الطرق الصحيحة التي ينبغي أن يسلكها طالب الثراء. فالطرق الأولى فيها اعتداء على الآخرين، والاستحواذ على حقوقهم، وفيها امتهان للذات وتوهينها، بينما الطرق الثانية فيها حفظ حقوق للآخرين، وفيها احترام للذات وتبجيلها.

2- كيف ننفق المال:

 لما كانت حاجاتنا كثيرة ومتعددة؛ فإننا نادرا ما نتمكن من تلبيتها كلها في المكان والزمان المناسبين، لذا فان من المهم أن نرتب أولوياتنا، الأهم ثم المهم ثم غير المهم، وما هو قابل للتأجيل، وما هو غير قابل للتأجيل. ولكن في كل الأحوال لا ينبغي أن ننفق ما جمعنا من مال في أمور تافهة، أو مسائل غير أخلاقية، أو نسرف في الإنفاق دون وجه حق. كما في الوقت ذاته لا ينبغي أن نقتر على أنفسنا وعلى أسرنا، فان التقتير كما هو الإسراف صفة مذمومة. ولا ننسى مسؤوليتنا الاجتماعية إزاء الفئات المهمشة والفقيرة والمتعففة، فان تلبية الحد الأدنى من حاجات هذه الفئات هي جزء من سياسة الإنفاق الصحيح للمال. وهي جزء من تنمية المال أيضا؛ لأن مثل هذا الإنفاق من الأمور المحبوبة عند الله. حيث قال في محكم كتابه (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ).

وسوم: العدد 832