انحرافات وتحريفات علماء السوء

شريف زايد

لم يكن مستغرباً أن ينفضح عدد كبير ممن تسموا بأسماء العلماء ويظهروا وجههم القبيح تقرباً لأسيادهم وليشتروا بآيات الله ثمناً قليلاً؛ والثمن القليل هنا هو رضا أسيادهم عنهم، نعم لم يكن مستغرباً وإن رآه البعض غريباً؛ ذلك لأن تاريخ البشرية الطويل لم يخل أبداً منهم، فأنت تجدهم في كل عصر ومصر خصوصاً إذا علا صوت الباطل وانتفخ ريشه.

إن حال هؤلاء هو كحال أولئك الذين وصفهم رب العزة في كتابه بقوله: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آَتَيْنَاهُ آَيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ، وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُون﴾ [الأعراف:175-176] يقول القرطبي: الآية عامة في كل من تعلم القرآن ولم يعمل به، وأن لا يغترَّ أحد بعلمه ولا بعمله.

وهؤلاء تعلموا القرآن ولم يعملوا به، وغرهم حلم الله عليهم، فوالله إن أمر هؤلاء لغريب! فلا يمكن أن نتصور أن أحداً ممن سمع سعد الدين الهلالي ينافق السيسي ومحمد إبراهيم قد صدق نفاقه هذا، وحتى اللذان نافقهما لا نتصور إلا أنهما يقولان في قرارة نفسيهما؛ والله إنك لمنافق وما أنت إلا كذاب أشر. أو أن أحداً ممن سمع بفتوى تطليق الإخوانية من هذا المدعي أو تلك المدعية أخذ بفتواهما حتى لو كان من أشد الناس كرهاً لجماعة الإخوان المسلمين. أو أن من سمع المفتي السابق يقول "اضرب في المليان" قد صدق أن المفتي يقول هذا الكلام تقرباً إلى الله، فالجميع، حتى الذين صفقوا له، يعلمون أنه ما قال هذا الكلام إلا لوجه السلطة والعسكر.

إذا لم تكن أهلاً لقول كلمة الحق فانسحب بسلام:

قد لا يستطيع الواحد من علماء السوء أولئك أن يصدع بكلمة الحق، إما لطمعٍ في منصب دنيوي، أو خوفٍ من بطش السلطان، أو هربٍ من غلبة الدَّين وقهر الرجل، وهذا الصنف من العلماء ليس أهلاً لقول كلمة الحق والجهر بها على رؤوس الأشهاد، وهنا يكون عجزه وصمتهُ عن الصدع بكلمة الحق خيرًا له من الفجور؛ كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من كان يؤمن بالله واليوم الأخر فليقل خيراً أو ليصمت»، وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يَأْتِي عَلَيْكُمْ زَمَانٌ يُخَيَّرُ فِيهِ الرَّجُلُ بَيْنَ الْعَجْزِ وَالْفُجُورِ فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ الزَّمَانَ فَلْيَخْتَرْ الْعَجْزَ عَلَى الْفُجُورِ» رواه أحمد، لأن في صمته وعجزه نجاةً له من الوقوع في الإثم والمعصية، وجر غيره من الناس لذلك الإثم.

 فانظروا ماذا فعل بهم كلام السوء ونفاقهم لأصحاب السلطان، لقد أرداهم وأسقطهم من عيون الأمة وخسروا الدنيا قبل أن يخسروا الآخرة، برغم أنهم ما فعلوا ذلك إلا طمعاً في متاع الدنيا الزائل والثمن القليل. ألم يكن الأجدر بهم أن ينسحبوا بسلام من المشهد السياسي إذا لم يكونوا أهلاً ليكونوا قادة الأمة وورثة للأنبياء؟!.

المؤسسة الدينية في مصر هي تابع لتجميل النظام:

لم يكن أحد ينتظر من الأزهر أن يقف في صف المتظاهرين ضد نظام مبارك الإجرامي في 25 يناير، فالكل يعلم أن مشيخة الأزهر مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالدولة ولا تملك أي استقلالية حقيقية، فَقَدْ فَقَدَ الأزهر دوره الريادي في تحريك جموع المسلمين للثورة ضد الظلم والقهر، وتحول لأداة طيعة في يد الأنظمة الطاغوتية التي جثمت على صدر الأمة لعقود طويلة بعد هدم خلافتها على يد مجرم العصر مصطفى كمال.

فقد دعا الأزهر على لسان شيخه أحمد الطيب إلى الهدوء حين كانت الثورة في أوج عنفوانها، متعللاً برفض الاقتتال بين المصريين، متغافلاً عن حقيقة أن النظام هو الذي اعتدى على الناس بشرطته وبلطجيته ومجرميه!.

ولا يمكن أن ينسى الناس فتوى علي جمعة المفتي آنذاك بعدم الخروج لصلاة الجمعة في "جمعة الرحيل"، لتفويت الفرصة على الثوار، وها هي مشيخة الأزهر ودار الإفتاء وبمشاركة وزارة الأوقاف تعيد لعب الدور نفسه باعتبارها مؤسسات تابعة للنظام تكرس كل جهودها لتجميله وحمايته من السقوط وتبرير كل نقيصة يقوم بها، مستعينة ببعض علماء السوء الذين لا يبالون بتحريف النصوص وليِّ أعناقها في سبيل أن يرضى عنهم أسيادهم الحكام.

فيصبح المتظاهرون خوارج!، وقتلاهم كلاب أهل النار!، ويصبح من يرفع لواء تطبيق الشريعة في دولة الخلافة متطرفًا وإرهابيًّا بل وعميلاً للخارج!، بينما في المقابل يصبح من يستحلون الدماء والأعراض، رُسلاً وأنبياء يجب أن نصلي ونسلم عليهم إذا ذُكرت أسماؤهم أمامنا!... ﴿كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا﴾.

الحديث المتناقض عن مشروعية المظاهرات:

كان شيخ الأزهر أحمد الطيب الذي أباح المظاهرات وأجاز الخروج على محمد مرسي بعد اللقاء الذي جمعه مع البابا تواضرس، هو نفسه الذي أفتى من قبل بحرمة الخروج على مبارك قبل أن يتنحى!، مما يدل أن هؤلاء العلماء يكيِّفون الفتوى حسب الطلب، وأنهم مجرد شيوخ تحت الطلب جاهزون ومستعدون للمداهنة والمسايرة ولا يترددون في تكييف الفتوى على مقاس الحاكم الظالم.

وإذا كان النظام الحالي أعلنها في الظاهر حرباً على جماعة الإخوان المسلمين، وفي الحقيقة هو يسعى لاجتثاث الإسلام كمبدأ من نفوس المسلمين تنفيذاً لأجندة الغرب في صراعه مع الإسلام الذي يشكل العقبة الكَئُود أمام هيمنته على العالم، باعتبار تلك الهيمنة هي نهاية التاريخ. لقد فطن النظام الحالي على أنه حتى ينجح في ذلك، فلا يكفيه أن يمتلك سلطان القوة، بل لا بد من فرض السيطرة الدينية من خلال المؤسسات الدينية الرسمية كالأزهر ودار الإفتاء ووزارة الأوقاف، لما للإسلام من سلطان على نفوس الناس. فكان لا بد من الاستعانة بعلماء السوء لتلفيق الفتاوى.

الحديث عن الفتنة وتجنبها والتدجيل على الناس:

إدراكاً من سلطة الانقلاب أن هناك فصيلاً مُهماً وكبيراً من المسلمين في مصر لا يكنُّ الكثير من الاحترام للمؤسسة الدينية الرسمية أو لا يثق فيها، وأنه يستقي تعاليم الإسلام من غيرها فيتوجه إلى علماء من خارج المؤسسة، فكان لا بد من استقطاب رموز من هؤلاء العلماء ليكونوا من ضمن جوقة المزينين والمجمِّلين لسلطة الانقلاب.

ولقد وقع هؤلاء في الفخ سواء أدركوا ذلك أم لم يدركوه، ولكن هؤلاء لم يكن أمامهم إلا أن يبرروا فعلتهم تلك حتى لا يسقطوا من أعين أتباعهم، فكانت القشة التي تعلقوا بها أنهم ما فعلوا ذلك ولا وقفوا هذا الموقف إلا درءا للفتنة، ثم ذهبوا إلى أحكام طاعة أولي الأمر وعدم جواز الخروج على الحاكم، وطاعة المتغلب وأنزلوها في غير محلها، وبرروا مباركتهم لدستور كفري ليحكم أمة محمد بأنه كأكل الميتة!

لم يكن ممكناً للأمة أن تستطيع في وقت قياسي أن تكشف الغطاء عن بعض هؤلاء العلماء وتنفض عنهم وتنبذهم لولا ما حدث في مصر بعد 30 يونيو، فقد تمايزت المواقف وكانت الأمة في مجملها تنتظر من هؤلاء مواقف أكثر وضوحا، فإذا بها تتفاجأ من البعض بمواقف مائعة لا طعم لها ولا لون، وتُصدم في البعض الآخر الذي وقف في الجانب الخطأ فسقط سقوطاً مدوياً، وبعد أن كانت دروسه وندواته يتهافت عليها الناس من كل حدب وصوب، إذا به لا يستطيع أن يعقد مثل هذه الندوات إلا في حراسة الشرطة والجيش.

ولهذا فإن مواقف هؤلاء وانحرافاتهم وتحريفاتهم لا يجب أن تحبط أبناء الأمة التواقين للتغيير، فلا يخلو هذا الأمر من فائدة، وهو يضع دعاة الإسلام وحملة لوائه على المحك ليميز الله الخبيث من الطيب، قال تعالى: ﴿لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَىٰ بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَۚأُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ [الأنفال:37].

فنسأل الله لنا وللمسلمين جميعاً أن يثبتنا على الحق والطريق المستقيم.