ماذا يريد الفلسطينيون من لبنان
يعيش الفلسطينيون في لبنان كجزء من فلسطينيي المنافي بالدول العربية والاوروبية والامريكيتين، لاكثر من سبعين عاما مضو ، قضوا فيها عذاب النكبة والذل والهوان والوجع والالم، فمنهم من التحق ببارئه وفاة او استشهادا ، ومنهم في تزوج ورزق بالولد والبنين،ومنهم قد عزم على الطلاق ، ومنهم من ابقاه الله عقيما بعد زواج سعيد.او مرير، ومنهم من ابقاه الله اعزبا ، منهم من بقي مطلقا او ارملا حتى لو داهمه الشيب واشتعل برأسه ان كان بمرحلة رجولة او شباب او كهولة.
جاء الفلسطينيون الى لبنان ، ليس بخاطرهم ولا بارادتهم، رغم انهم كانوا بكامل وعيهم وتنبههم لمخاطر المغادرة خارج الوطن وذلها وهوانها،وارغموا على مغادرة ديارهم وبقرار عربي،حاول انقاذ فلسطين بجيشه المزعوم، وبتأمر اممي متواطيء صهيونيا ومستندا على وعد بلفور اللعين،والذي لا احقية قانونية ولا تشريعية له .
جاء الفلسطينيون الى لبنان الشقيق فاعتمروا الجبال القريبة من الضيع المأهولة بالسكان والفقيرة الاراضي من ناحية الزرع والانتاج مما كان قد جعلها مرتعا للوحوش والضواري المختبئة بين بلان وطيون ومغاور وهشير ، وسكنوا عند سفوح هضاب القرى وضواحي المدن واريافها جنبا الى جنب مع اشقائهم من الشعب اللبناني المضياف، فكانوا منتشرين بين المسلم والمسيحي، بين السني والدرزي والشيعي،والماروني والكاثوليكي والارمني وغيره من طوائف ومذاهب كريمة ،احتضنتهم واكرمتهم حسن الضيافة والاستقبال والعيش المشترك ، واستقبلوا باهتمام بارز على المستويين الرسمي والشعبي، وهذا بدا ظاهرا من تعليمات الرئيس العربي اللبناني الراحل بشارة الخوري الذي اولى كل جهد وبذل كل المساعي للاهتمام باللاجئين المهجرين قسرا من بيوتهم واملاكهم ، واكد على ايوائهم لحين عودتهم سالمين غانمين الى وطنهم الغالي فلسطين.
فما كان من الشعب الفلسطيني برمته الا ان اخذ دوره ثقافيا وتربويا واجتماعيا ودينيا واقتصاديا،اذ شعر لاجئوه بالامن والامان بين اشقائهم اللبنانيين ، رغم التهجير وترك الوطن، فكانوا يلتحقون بالحقول والمزارع الى ان ازهوهرت اشجارها وانبتت من جديد الحقول بخضارها واثمرت نتاجا طيبا باغلال غنية وزكية الانتاج والحصاد ، وكانوا يلتحقون بالمدارس طلابا ومعلمين ومعلمات ، وينشئوا الجمعيات والشركات والمؤسسات بانواعها المتعددة وباموالهم التي جلبوها معهم والتي قدرت بما لا يقل عن خمسة عشر مليون جنيه فلسطيني ، اي ما لا يقل عن خمسة عشر مليار دولار امريكي في ذلك الوقت ، واستثمروا بها في مشاريع انشاوها ،واخذوا دورهم في ورش الزراعة والبناء والمطاعم والمقاهي والمواصلات،بل وكثير منهم اسس البنوك والمؤسسات الاقتصادية والثقافية والتربوية واستنهضوا اسس هذه الدولة اللبنانية التي كاد القحل والمحل ان يقضي عليها من جذورها، ولا نخجل حين نقول وبكل صدق وجراة و ثقة ايضا انه ( رب ضارة نافعة ، ومصائب قوم عند قوم فوائد)، وعزاؤنا لانفسنا ان مصيبتنا اثمرت في لبنان ازهارا وازدهارا وثمارا ، وكل رجالات لبنان الكبار عمرا والكبار موقعا ومسؤولية يعرفون ذلك ، ان كان على مستوى الاقطاع السياسي- الاقتصادي الذي كان يستثمر في فلسطين ، وهو الذي باع الاراضي وهرب من فلسطين جبنا وخنوعا وتخاذلا ، وكتب التاريخ توثق ذلك ، او على مستوى العمل التجاري الاقتصادي الزراعي الذي كان يمتهنه الاباء والاجداد اللبنانيين في فلسطين التي كانت تغص بهم ،وكانت حيفا ويافا وعكا وصفد اقرب اليهم من بيروت او طرابلس او شتورا من ناحية المسافة والتواصل ، وكانت الامتدادات الطبيعية (السكانية والجغرافية) اكثر صلة وتقاربا وقربة ايضا بين وسط وشمال فلسطين من جهة وجنوب لبنان ووسطه من جهة اخرى، وكانت التبادلات بجميع جوانبها قد غزت ( بتشديد حرف الزين) فيها العلاقات الاجتماعية بين الشعبين الشقيقين حتى ان الكثير من العائلات التي هاجرت عائدة الى لبنان ، وهي بالاصل من لبنان ، قد تم احصائها مع اللاجئين الفلسطينيين الذين تم تهجيرهم اثناء وخلال وبعد النكبة. ولا زالوا يحملون بطاقة الاعاشة الصادرة عن الاونروا كونهم لاجئين من فلسطين، ولا اقصد بهم اهلنا من القرى السبعة، لا ابدا، بل كثيرا من العائلات لبنانيي الاصل و من عدة مناطق من لبنان.
واحد وسبعون عام والفلسطيني يخوض غمار المعاناة من ظلم قوانين الحكومات اللبنانية المتعاقبة، ومن ظلم تصرفات ادارية لوزراء العمل الذين معظمهم محسوبون على تيارات وطنية ، ولا نستثني منهم الا قليلا.فهل اجازة العمل التي يطلبها وزير العمل تحسن جودة وزارته اذا لم تكن الوزارة من اساسها على قدر كاف من الجودة والفعل والاداء ، هل الحركة الوطنية اللبنانية تزيد قوة وصلابة اذا ما سكتت عن ظلم ذوي القربى بحق عمال وموظفي ومهنيي و فلاحي شعبنا اللاجيء الذي تسري عليه قوانين الامم المتحدة والجامعة العربية والذي يعتبر لبنان الشقيق احد اعمدتهما بل ومن المؤسسين الاوائل لكليهما؟؟!
هل التضييق الحالي على عمال فلسطين في لبنان هو نتاج للصراع اللبناني- اللبناني الدائر حاليا ويصبون نتاجه وجام غضبهم على الشعب الفلسطيني الذي انصفه القائد العروبي وليد جنبلاط في مناسبات عديدة اذ قال يوما ان الفلسطينيين في لبنان يعانون من قوانين عنصرية بحقهم.الا يراجع وزراء العمل الموقرين ما تم نشره على صفحة مجلس النواب اللبناني الكريم من دراسة موثقة تتحدث عن حقوق الفلسطينيين في لبنان وتؤكد على اعفاء العامل الفلسطيني من المعاملة بالمثل ومن اصدار اجازة العمل؟؟!!
هل يريد وزير العمل الحالي الانتقام من ابناء واحفاد اللاجئين الفلسطينيين لانهم حين لجاوا الى لبنان لم يقبلوا ان يكونوا عالة عليه ولا على اي وزارة بل زرعوا السهول والجبال بالخضار والاشجار وعمروا بيوت القرى والمدن والارياف ، وقاسوا الامرين سويا من مجازر العدو الغاشم في صبرا وشاتيلا والبرج الشمالي وقانا الجليل ، وبناية جاد ومسجد العباسية والزرارية ومعركة وبقية ارض الطهارة والشهادة في جبل عامل ، الكنف الحبيب لبيت المقدس ، وملؤوا الدروب والمشاغل والمشاتل و البيارات بمشاعل عز ونصر واستبسال ضد العدو الصهيوني وعملائه اللحديين والحداديين(التابعين للعميلين انطوان لحد وسعد حداد)، واسكنوها شهداء الثورة الفلسطينية الابرار ،من لبنانيين وفلسطينيين ، جنبا الى جنب مع كل شهداء المقاومتين اللبنانيةوالاسلامية، ابناء لبنان العزيز ، وادوا صلاة النصر سويا في كنائس ومساجد واديرة العبادات وصوامعها؟؟!
هل يحق لوزير ان يسن قانونا بمفرده؟ ام ان هناك توافقا مختبئا تحت طاولات السياسة ، كي يخدم صفقات السياسة الممتدة من واشنطن الى البحرين؟!
الا يحق للشعب الفلسطيني اللاجيء المقهور من ظلم الامم بمعظمها ان يعيش يوما بكرامة بدون ذل او عناء؟!
اللاجيء الفلسطيني الذي يعيش في لبنان ، ويصرف في لبنان ما يجنيه من معاشات هي فتات المداخيل العالمية، ويصرف ما ياتيه من مداخيل اقاربه او ابنائه او ذويه في دول الاغتراب ، الا يحق لهذا الشعب المكلوم على مدى سبعة عقود ويزيد ان يطلب "الطلاق" من اشقائه الظالمين ليعيش بحرية وكرامة ام ان الزواج الكاثوليكي سيبقى مفروضا عليه؟!
من موقعنا ، كرابطة مثقفي مصر والشعوب العربية ، دولة فلسطين نقول لكافة اشقائنا العرب كفاكم اذلالا لنا ، كفاكم تخليا عن واجباتكم تجاه اللاجئين الفلسطينيين في لبنان وغير لبنان، لا نطالب الا بحقوقنا فقط لا غير ، حقوقنا التي اقرتها وشرعتها الشرعية الدولية والجامعة العربية ، اليس العرب اعضاء بالامم المتحدة والجامعة العربية؟! ...لا نريد منية من احد.. لا نريد الا ما هو لنا لحين عودتنا الى ديارنا.
ونحن في ذكرى حرب تموز الهمجية الصهيونية(٢٠٠٦) على لبنان حيث انتصرت مقاومة لبنان وشعب لبنان، نقول كفى للعرب تخاذلا وتواطؤا ومهانة وتراجعا عن نصرة الشعب الفلسطيني ، صاحب كنيسة المهد ومسجدي الاقصى والابراهيمي .
وسوم: العدد 833