فلنوقف شلالات الدم.. ولنكن كما يليق بأمتنا أن تكون

clip_image001_78acd.jpg

العدوان على سوريا مستمر، والمحتل الصهيوني يمارس عدوانه المتكرر بغطاء أمريكي، وتغاضٍ روسي، وتشجيع مباشر وغير مباشر من عرب يتحالفون معه ومع الأمريكي، ضد أقطار عربية وفئات من أمتهم التي يبدو أنهم يتخلون عن الانتماء إليها، ويوالون أعداءها، في خروج بَيِّن على العروبة وعلى نهيه سبحانه وتعالى للمسلمين عن موالاة غير المسلمين «وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ»، وعن التحالف مع أعداء الأمة والدين.

فتن ما أنزل الله بها من سلطان

الدم السوري يسيل، وفي العدوان الإجرامي الصهيوني الأخير سقط 16 شهيداً بينهم ثلاثة أطفال وجرح 21 آخرين، ودمرت عشرة مواقع.. وسوريا مثل أقطار عربية غيرها بين «صراع داخلي مميت»، وآخر فتنوي «سني ـ شيعي» مقيت وعقيم وفاسد ومفسد وأثيم، ما أنزل الله به من سلطان.. ويبدو أننا، معظم العرب، قد فقدنا قدرتنا على التمييز بين العدو والصديق، بين الحق والباطل، وبين ما ينفعنا وما يضرنا.. وأصبحنا محكومين بقرار أعدائنا وحلفائهم وعملائهم، حتى حين نتطلع إلى الدفاع عن أنفسنا نقتل أنفسنا بأمر أو إيحاءٍ منهم.. الأمر الذي يقدم موتَنا، ويفُلُّ ردعَنا، ويؤجل ردَّنا على عدونا الذي يقتلنا إلى «الوقت الملائم في المكان الملائم»، حيث يبقى الاثنان، الوقت والمكان، بانتظار « غودو» الذي ينتظرهما بدوره تحت شجرة جرداء في مدى قفر لا نهائي، يعلو فيه نعيب الغراب وينتشر الدم والخراب.

الأحداث تتطور «داخلياً وعربياً وإقليمياً ودولياً»، ومجريات تطورها لا تصب في مصلحة أمتنا وخدمة قضايانا.. أمتنا على المشرحة تنزف بانتظار اتفاق النطاسين على تشخيص الداء ووصف الدواء، ومعظم أولئك متنكر في زي طبيب وهو العدو والخصم اللدود.

كرة النار تكبر في أوطاننا

إننا في أتون المعارك الدامية منذ عقد من الزمان، وكرة النار تكبر وتشعل أقطارنا قطراً بعد قطر.. ربيعنا خريف، وثوراتنا نزيف، وإصلاحاتنا تزييف.. وقبل مواسم «الربيع والثورات والإصلاحات»، كان يتداخل في بلداننا الطغيانُ والعدوان، القحط والقمع، فساد النفوس ونخر السوس.. فيدلُف الناس من فقر إلى بؤس، ومن اضطراب إلى إرهاب، ومن فساد إلى إفساد، ومن قهر إلى يأس وفيض رعب واستبداد، ومن ظلم وطغيان إلى اضمحلال وضلال.. ضعنا وأضعنا.. ومع كل هذا، ورغم كل هذا.. كان الشعب العربي في أرجاء الوطن الكبير يصبر، ويضحي، ويحلُم، ويرفع راية فلسطين، ويسكت على الظلم والظُّلام بانتظار زمن يتحقق فيه انتصار لقضية القضايا العربية، أعدل قضية وأكثر القضايا تضييعاً «قضية فلسطين»، يضحي من أجلها لتنتصر الأمة بتحريرها.

لكن للأسف كل ما لاحظناه ونلاحظه، ما واكبناه ونواكبه، وما قرأناه ونستقرئه.. القضية تتراجع من مركزية إلى ثانوية، والساسة يتخلون عن إرادة الشعب في العمل من أجل التحرير، وكثير منهم يوالي العدو المحتل سراً أو علناً.. وأن العدو الصهيوني وحليفه الأمريكي يتحكمون بالقرارات السيادية ويحكمون، وأن عنصرية وعداوة متجذرة ضدنا في دعوات وتحالفات «صهيونية - صليبية».. تمضي في اتباع سياسات واستراتيجيات هدفها تفتيت الأمة العربية وتمزيقها ونهبها وتدمير بُناها وسفك دماء أبنائها، بحرب مباشرة وحروب بالوكالة.. إنها تذبحنا وتدفعنا لنذبح أنفسنا في اقتتال عقيم.. وها نحن، من خلال سياساتنا وحكامنا، نسكت على ممارسات العدو الصهيوني، ونتنازل له، ونتحالف معه، ونشجعه على التوسع في أرضنا، والفتك بنا، وانتهاك كل محرم ومقدس من محرماتنا ومقدساتنا والانتهاك.. 

وما نراه ونلمسه اليوم من اختراقات «سياسية واقتصادية» يحققها على طريق النهب والتخويف والتطبيع، ويعلي بها أمنه وهيمنته وسيادته ومصالحه فوق أمننا وسيادتنا ومصالحنا.. ليس سوى بعض قمم جبل الجليد مما توغل فيه عبر ساسة وحلفاء وأتباع وعملاء شلوا قدرة الأمة على المواجهة والتمييز.. إن العدو الصهيو- أمريكي يعزز وجوده، ويحقق الاعتراف به، وتطبيع العلاقات معه، ويفرض نفسه شريكاً ولاعباً رئيساً في شؤون عربية مصيرية، ولا يكف عن تغذية نار الحروب العربية البينية، والفتنة المذهبية بين عرب وعرب، وعرب ومسلمين.. ليستمر إضعافنا ويتحقق انهيارنا ويسيطر كلياً على شؤوننا.

فلسطين تتحول إلى قضية ثانوية

إن خوض معركة التحرير مع عدونا الصهيو ـ أمريكي الذي يحتل أرضنا، ويوغل في ذبحنا، ويهود فلسطيننا، ويدنس مقدساتنا، ويفتت صفوفنا، ويشعل النار في جسد أمتنا.. كل ذلك لم يصبح وراء ظهور كثرة منا فحسب، بل أصبح ذكره والتذكير به من المُستنكرات على لسان أولئك، ومن أسباب قطع الصلة بمن يذكُر ويذكِّر، وموجبات التحالف مع العدو، حسب ثوابت بعض الساسة وأدواتهم، ومن مقومات «السلام والازدهار؟!».. كما تتلفَّظ بذلك ألسنة عربية غريبة مريبة، تطلق كلاماً سماً في أسماعنا، وتحاول أن تنفذ إلى تكوين أجيالنا.. وقد وصل الأمر ببعض ألسنة الثعابين تلك إلى حد قلب الحقائق والوقائع رأساً على عقب، باتباع نهج الصهاينة المزوِّرين التاريخيين، وإلباس تخاذلهم وتآمرهم على الأمة وقضيتها المركزية لَبوس الدين، في فيهقة متفيقهين مبتذلة ومرفوضة.. حيث يظهرون أنفسهم مؤمنين وغيرهم كافرين؟!.. ولسان تلك النماذج المتهالكة على ظهور وسَند ومَسْند ومال وحضور، يقول «أنه يتوجب علينا، باسم الدين/الإسلام، أن لا نضطر الصهاينة المسالمين إلى إزهاق أرواح بعض جنودهم في أثناء إزهاق أولئك الجنود لأرواحنا.. وأن علينا ألا نقاومهم في أثناء حزِّهم لرقابنا بسكاكينهم»؟!.. فهم.. «يضحون بنا ونحن خراف إبراهيم..»؟! 

ومن أنواع الغرائب العجائب في هذا الباب أن يتوافق كلام هذا النوع من المتنطعين باسم السلام والإسلام، مع قول الإرهابية العجوز غولدا مائير التي حملتنا مسؤولية أنهم يذبحوننا، حيث قالت بفجور صهيوني عريق: «نحن لا نستطيع أن نغفر للعرب، لأنهم يجبروننا على قتل أولادهم..»؟! فتصوروا يا خلق الله.. تصوروا فجوراً إجرامياً إرهابياً بهذا الحجم، يستمر ممارسوه في العدوان والذبح مئة سنة، وتكون النتيجة أن يؤاخيهم بعض مَن يُبَح أبناؤهم وتحتل ديارهم وتستباح مقدساتهم؟! وتصوروا أيضاً «عربياً، مسلماً؟!» يقول، بعد هذا، عن الصهاينة الذين يقتلون منا يومياً شباباً ورجالاً منذ مئة من سنين، ويحاصرون الملايين منا في غزة لأكثر من عشرة سنين بهدف الإبادة، ويسجنون عشرات الآلاف من أبنائنا لسنوات تزيد على الثلاثين، من دون ذنب ولا محاكمة في أكثر الأحايين، ويخرج بعض مساجيننا من سجونهم إلى المقابر.. ويضطهدوننا في كل مكان من وطننا فلسطين، وطن الآباء والأجداد منذ ما قبل الكنعانيين وإلى أبد الآبدين بعون الله.. تصوروا يا رعاكم الله أنه يقول: «اليهود يريدون السلام، ولا يريدون التضحية بأولادهم، وعلينا نحن ألا نقاتلهم وألا نقتلهم، بل علينا أن نسالمهم، بمعنى نستسلم لهم، ونقر بحقهم بكل ما احتلوه من أرضنا، وما ارتكبوه من جرائم بحق شعبنا.. ونقدر فيهم إنسانيتهم فهم يقتلوننا ويشكون من أنهم يقتلوننا؟!

أيها العرب والمسلمون

يا أيها العرب.. يا أيها المسلمون.. يا أيها الناس، صاحون ونائمون، «قاتلون ومتقاتلون»، آكلون ومأكولون.. يا أيها البؤساء الضحايا المظلومون.. يا ورثة الأرض والتاريخ وحملة الهُوية وراية الدين / الإسلام.. هلموا إلى فعل منقذ مختلف عن كل ما ألفتم وما تألفون في زمنكم الرديء هذا.. تعالوا لتنقذوا أنفسكم وأبناءكم وبلدانكم وما تملكون.. مشرق وطنكم العربي، ووسطه، وبعض مغاربه، والكثير من ديار الإسلام.. أصبح مستباحاً وشبه مستباح لأعداء الأمة والإنسانية والدين.. ويبدو بجلاء أن هناك اتفاقاً بينهم، رغم خلافاتهم، على نقض معمار العروبة وإضعاف الإسلام، وجعل المسلمين في أتون فتنة متجددة يحترقون.. تنافسهم بينهم على قضم هذا الجزء أو ذاك من أرضنا، والسيطرة على المنافذ والممرات الاسترتيجية في منطقتنا، وعلى الثروات الطبيعية في بلداننا، وعلى نهب أموالنا، وتدمير عمراننا، وإدامة الاقتتال المباشر أو غير المباشر فيما بيننا لنُهلك أنفسنا بأيديهم وبأيدينا. 

إنهم يتحكمون تحكماَ شبه تام بالقرار، وينتهكون السيادة وينهكونها ويقزّمونها، ويصنعون «ساسة وسادة وقادة يحكّمونهم ويتحكمون بهم، ويرفعونهم «ستائر» يمارسون باسمها ومن خلفها كل فعل يؤدي إلى استمرار احتلال أوطاننا وإرادتنا، واضمحلال وجودنا، وتدمير أمتنا وتفتيتها وفرض التبعية عليها واستعمارها بصورة شاملة وتامة.. وفق تخطيط وتنسيق متفق عليهما فيما بينهم، ووفق أنصبة ومواقع ومنافع يتفقون عليها. 

إن العرب مدعوون، حتى لو كانوا في الرمق الأخير، إلى إعلان وتحرك إنقاذي مصيري، يرفضون بموجبه كل وجود لأجنبي في أرضهم، وكل تابع لأجنبي وموالٍ له في ديارهم، أياً كان موقع ذاك وادعاؤه وهدفه.. إن علينا وقف الاقتتال البيني، والدعوة لمصالحة عربية - عربية صادقة من خلال الحوار، وعلينا بالحوار مع أخوتنا المسلمين الذين نختلف معهم، ومراعاة الوجود والحضور والأخوة والصداقات الحقيقية والجوار الجغرافي التاريخي للدول المستقرة زمانياً ومكانياً في هذه الأرض، ولا يدخل في ذلك بأي حال كيان الإرهاب الصهيوني العنصري «إسرائيل» العدو الأول للأمة العربية والدين / الإسلام، وللإنسانية والقيم.. لا صديق لنا اليوم إلا أنفسنا أيها الناس، ولا مخرج لنا من الفخ الذي وقعنا وأوقعنا فيه إلا بوعينا لذلك، وتحركنا للخروج منه «بوعي وعقل وعلم ومسؤولية وشجاعة وإجماع ووحدة صف وهدف». 

إن على الذين يقايضون الأرض والشعب والقضايا المصيرية والسيادة العربية بوجودهم «ساسة وسادة وقادة»، والذين يقتلون الحرية والأحرار، والذين يقتلون معارضيهم والمختلفين معهم.. أن يكفوا عن العبث بالإنسان والحقوق، وبالأمة والقيم، ويتوقفوا عن قتل وعيها وإبداعها وأحرارها وأجيالها، وعن تدمير مستقبلها والمساهمة في إذلالها وإنهاء وجودها.. وإن عليهم أن يعوا أنه لا وجود لـ «سادة وقادة وقامات وهامات وإرادات» لهم خارج وجودها، إن كانت لهم المؤهلات لذلك، ولذا فإن عليهم أن يتراجعوا ويدخلوا دائرة وجود الأمة بانتماء صادق لها واقتدار على نفعها.

لن يتوقف تنافس القوى الكبرى والقوى الموجودة في ظلها وفي خدمتها على أرضنا وفي بلداننا.. فكل يعمل وفق ترسيخ وجوده ونفوذه ومصالحه، وكل يتطلع إلى استثمار في الإعمار بعد مشاركته الفاعلة في التدمير، لأن توسيع دائرة التخريب والخراب تعني على الأقل توسيع دائرة الاستثمار في إعادة الإعمار. 

أهداف الكبار متباينة لكنها قابلة للتنسيق فيما بينهم، وهم ينجحون التفاهم والتوافق على مقايضة مواقف ومصالح على مستوى العالم وليس مستوى بلد محدد ومنطقة معينة.. الأقوياء الكبار لا يسألون عن أوطان ولا عن الشعوب ومصالحها، بل يحققون لشعوبهم وبلدانهم مصالحها على حساب البدان والشعوب.. إنهم يراعون تبادل المنافع في تقاسم السيطرة على المواقع والمنافع، وفي تسوية خلافات حول قضايا كبيرة وصغيرة عبر العالم.. فمن وجهة نظرهم «العالم رقعة شطرنج واحدة للاعبين رئيسين قادرين، يحسنون اللعب وجذب التابعين والمتابعين، المريدين والمؤيدين، مَن يصفقون ومَن يبدون الإعجاب باللاعبين، ومَن يفرحون ويهتفون عندما ترجح كفة هذ اللاعب أو ذاك.. ولعبهم ليس تسلية ولا هو نوع من العبث إنهم يلعبون بنا.

فلننه الاختلاف أيها العرب، أيها المسلمون، أيها الضعفاء والمُستضعفون، أيها الزاحفون على بطونكم وراء لقمة عيش، والغارقون في دمكم وبؤسكم في ميادين المعارك بالوكالة أو بالأصالة.. فلتتوقف شلالات الدم، وليكن الإنسان «موقفاً وخُلُقاً وقيمة» كما يليق بالإنسان.. ولنكن أيها العرب والمسلمون خاصة، المستهدفون من العنصريين والصهاينة والمتصهينين، أعداء الإنسانية.. كما يليق بنا وبأمتنا أن نكون وتكون.. إنه لا يليق بنا وبأمتنا أن نكون تبعاً، ولا راجلين في ركاب راكبين، ولا محاربين لأنفسنا نأتمر بأمر مأمورين يحكمهم أعداؤنا، ولا أن نخوض بدمنا لنرضي أعداءنا وتابعيهم.. إن ذلك لا يليق بنا، ولا بأمتنا التي لها تاريخ وحضارة وهوية وعقيدة، وتضحيتنا ينبغي أن تكون من أجل كلِّ ما ينقذها ويرفعها ويخلصها مِن التبعية والانصياع للأعداء، وما يجعلها سيدة ذات خصوصية وفرادة.

والله من وراء القصد. 

وسوم: العدد 833