كيف وصلنا إلى مرحلة السقوط هذه وأصبحت حرفتنا تدمير الذات وأنظمتنا تصنف العدو صديقاً والصديق عدواً والمقاومة إرهاباً
لو صدقنا ما قاله وزير الطاقة الأمريكي ريتشاردسون سنة 1999 بأن البترول كان سبباً رئيسياً في رسم سياسات الأمن القومي والسياسة الخارجية الأمريكية بل وتقسيمات حدود دول الدول العربية فقد عشت داخل هذا المحيط أكثر من ستين سنة عملت خلالها كمهندسٍ ومدير ومستشار في قطاع النفط في أربع قارات من العالم بما في ذلك دول الخليج والولايات المتحدة وأوروبا وأفريقيا والدول الناشئة حديثاً أنذاك كالهند والصين واللتين كنت أزورهما على الأقل مرة كل شهرين . رأيت بعض دول الخليج التي تعمل من نفسها اليوم امبراطوريات وهي تتكون من شارع واحد . ورأيت كيف يمكن إنشاء الدول على رمال متحركة. عند كشف مؤامرة كان جواب الطابور الخامس جاهزاً : إنها نظرية مؤامرة.
وكان عملي يستغرق كل وقتي وجهدي. وحققت انجازات هامة في مجال عملي. كما عملتُ مستشاراً لإحدى كبريات مؤسسات النفط الحكومية في فرنسا ومستشاراً لأكبر شركة نفط حكومية في الصين.وساهمت أثناء تصاميم وتشغيل أوائل تكنولوجيات في تصنيع النفط ثم إدارة عملياته. لكن كان إعلان بوش الأب أن احتلال دولة عربية (الكويت) وتدمير أخرى (العراق) هي بداية لنظام عالمي جديد ردده الإعلام العربي كالببغاوات دون أن يعرف أحدٌ هذا النظام الجديد وكيف تم تنفيذ مؤامرة على حسابنا لتدشين هذا النظام العالمي الجديد . منذ ذلك التاريخ بدأت أبحث عن كيف يدار العالم بسرية وكيف تُحاكْ المؤامرات كان بدايةً للبحث عن ما هو هذا النظام العالمي الجديد ولماذا وكيف تحاك المؤامرات ضدنا . في هذا المقال سأبين ما توصلت اليه عن النظام العالمي الجديد !
كان سيسل رودس (Cecil Rhodes في الرابعة والعشرين يوم الثاني من حزيران سنة 1877 عندما تم تكريسه في المحفل الماسوني التابع لجامعة آكسفورد. ويدّعي أنه في نفس ليلة تكريسه جاءه هاجس صار حلمه الكبير حيث سطّر في تلك الليلة هدفه وطموحه و هو تحفيز وتوسيع الامبراطورية البريطانية وتوحيد الجنس الانغلوساكسوني بما فيها الولايات المتحدة في ظل امبراطورية واحدة. اذا كنا نؤمن أن عصر الانبياء والوحي قد ولّى ، فلنا أن نظن أن الوحي قد جاءه ممن كرسوه في محفلهم صباح ذلك اليوم.
كتب سيسل رودس:” ولِمَ لا نشكل تنظيماً سرّيا هدفه توسيع الامبراطورية البريطانية واخضاع العالم للحكم البريطاني ولاستعادتنا للولايات المتحدة لنجعل من الجنس الانغلوساكسوني امبراطورية واحدة؟ ” ومن أقواله أيضاً :” علينا أن نكتشف اراض جديدة يمكن استخراج المواد الخام منها بسهولة في نفس الوقت نستعمل العمالة بالسخرة من مواطني المستعمرات كما ستصلح تلك المستعمرات كمنفذ للبضائع الفائضة المنتجة في مصانعنا.” وهذا ما تم ترجمته لمفهوم العولمة لاحقاً.
شارك بنك التمويل ” ن. م. روتشايلد وأبناؤه المحدودة “N M Rothschild & Sons Limited سيسل رودس في تأسيس شركة مناجم الماسDE BEERS في جنوب افريقيا حينما كان في الخامسة والثلاثين من عمره. وكانت عائلة روتشايلد اليهودية قد عولمت نشاطها البنكي قبل ذلك.
البروفيسور كارول كيغلي Carroll Quigley الاستاذ في جامعة جورج تاون بواشنطن ، والذي عمل مستشاراً لوزارة الدفاع درّس العديدين من كبار الساسة الامريكيين ومنهم الرئيس كلينتون. يروي البروفيسور كيغلي في كتابه (الكارثة والاملTragedy and Hope ) الصادر سنة 1966 أن رودس قد اسس جمعية سرّية تم انشاؤها سنة 1881. وقد تم تسميتها ( جمعية المختارينSociety of the Elect) . ولقد وضع رودس بالتعاون مع وليام ستيد William Stead ) هيكلية هرمية بالغة التعقيد ربما استوحاها من الماسونية . كان على راس الهرم اللورد روتشايلد ، ورودس وستيد. يلي هؤلاء (دائرة الاوائل Circle Of Initiates) من النبلاء واللوردات ومنهم الكاردينال ماننغ Manning واللورد غرايGrey واللورد آرثر بلفور صاحب وعد بلفور الشهير . اول مفاجأة لي في عملية البحث هذه أن وعد بلفور كان موجهاً من مرؤس (بلفور) الى رئيسه (روتشايلد) في تنظيم سري!
يلي دائرة الاوائل ( جمعية المساعدين) وهم جمهور أعضاء الجمعية والذين تم تنظيمهم سنة 1909 باسم (جمعية المائدة المستديرة) شبة العلنية . لم يكن يعرف اعضاء هذه الدائرة المستديرة التسلسل الهرمي السري كما اعلاه. وكان ليونيلكورتيسLionel Curtis هو المنظم لها ، والتي انشأت بدورها جورنال المائدة المستديرة سنة 1910 .
كان واضحاً ان الامبراطورية البريطانية قد شاخت وتم تجنيد اعضاء للحركات السرية هذه داخل الولايات المتحدة ومنهم المستشارين الكبار للرئيس وليسون والذين اصطحبوه لحضور مؤتمر السلام في فرساي بعد انتهاء الحرب العالمية الاولى . كيرتيس وباجتماعات سرية مع اعضاء جمعيته الامريكان من المشاركين في مؤتمر فرساي بدأوا عملية التوأمة بين المؤسسات البريطانية ليكون لها رديف في الولايات المتحدة. من أهم هذه المؤسسات كان انشاء مجلس العلاقات الخارجية ومركزه نيويورك. عائلة روكيفلر البنكية والنفطية تبنت هذا المجلس وكان اكثر اعضاءه من اصحاب المصارف والشركات الامريكية الكبرى . كان هذا المجلس هو التوأم للمعهد الملكي للعلاقات الدولية في لندن (والمعروف ايضاً تشاتام هاوس (Chatham House)) . وقد لعب ويلعب دوراً مركزياً حتى يومنا هذا في رسم سياسات المؤسسة الدائمة للولايات المتحدة .
كان الهدف من التوأمة هو الانتقال السلس لتصبح الامبراطورية الامريكية هي خليفة الامبراطورية البريطانية ولتصبح بريطانيا هي المستشار الامبريالي للامبراطورية الانغلوساكسونية الجديدة. وهذا ما يفسر العلاقة الخاصة بين بريطانيا والولايات المتحدة حتى اليوم.
سياسة الولايات المتحدة ما بعد الحرب العالمية الثانية قررتها لجان سرية جداً بين مجلس العلاقات الخارجية وشخصيات مختارة من الرئيس روزفيلت من الوزارات السيادية الامريكية .كانت اللجان برئاسة اشعيا بومان (يهود) وكانت قراراتها تعتمد من الرئيس روزفيلت بسرية تامة. من هذه القرارات اعتماد عالم واحد برئاسة امبراطورية واحدة هي الولايات المتحدة. ومن اجل تنفيذ ذلك تمّ اقتراح اذرع الهيمنة للامبراطورية الامريكية وهي صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة الحرة (والتي بدأت بالغات Gatt) . كما قررت تلك اللجان السرية انشاء الامم المتحدة وقد تبرع ال روكيفلر بالارض التي بنيت عليها بناية الامم المتحدة الحالية على مقربة من روكيفلر بلازا . والجدير بالذكر أن تمويل دراسات الحرب والسلام السرية اعلاه قد قدمتها عائلة روكيفلر .
موّل اليهودي إشعيا بومان (Isaiah Bowman عام 1955 “معهد بحوث السياسة الخارجية” (FPRI) لإصدار نشرة ربع سنوية باسم أوربز (Orbis) عام 1957، والتي تخصصت في الشؤون الدولية. كان هدف هذه الجمعية المعلن العمل على الدعوة لتأسيس نظام عالمي جديد بقيادة الامبراطورية الامريكية دون منافس وبدون اتحاد سوفياتي . تم الاعلان عن هذه السياسة في مقال عام 1957 أي قبل 35 سنة من انهيار الاتحاد السوفيتي. جاء في المقال وعنوانه “موازين الغد “Balance of Tomorrow: “إن مهمة الولايات المتحدة هي توحيد العالم بأكمله تحت قيادتها خلال هذا الجيل . أما سرعة وكفاءة تحقيق الولايات المتحدة لهذا الهدف فسوف يقرر مصير الحضارة الغربية وبالتالي المصير البشري… فهل سيكون النظام العالمي الجديد القادم هو إمبراطورية عالمية أميركية…؟ يجب أن يكون الأمر كذلك لدرجة أن تحمل الإمبراطورية العالمية تلك دمغة الروح الأميركية…”.
كان مجلس امناء هذا المعهد وهيئة تحرير مجلة اوربس الشخصيات التي تولت مراكز قيادية لتنفيذ هذه المهمة ومنهم : وليم ياندل إليوت William Yandell Elliot رئيس كلية سياسات الدولة في جامعة هارفارد، وتلميذه، آنذاك، هنري ألفرد كيسنجر (Henry A. Kissinger)! والذي عمل لاحقاً مع آل روكيفلرز قبل أن يدفعوه للعمل في الدولة . كما كان من الاعضاء في المعهد بريجنسكي وبرنارد لويس ! هذا هو (النظام العالمي الجديد) الذي اعلنه بوش الاب وكانت بداياته احتلال دولة عربية من دولة عربية اخرى وتدمير تلك الدولة لاحقاً . هذا هو النظام الذي سمع العرب عنه ولم يعرفوا عنه شيئاً!
عند انهيار الاتحاد السوفياتي واعلان بوش للنظام العالمي الجديد اعادت مجلة اوربس نشر مقالها (موازين الغد).
كتب بريجنسكي كتابه عن لعبة الشطرنج والذي كان عالمنا العربي والاسلامي هو رقعته وضحاياه. وكان استنزاف الاتحاد السوفياتي بأموال عربية وارواح عربية واسلامية هي سبب هام لسقوط الاتحاد السوفياتي وبداية النظام العالمي الجديد والذي اصبحنا من اكبر ضحاياه. واصبحنا منذ ذلك الوقت (من يخربون بيوتهم بايديهم).
لا يتسع هذا المقال لاكثر من هذا سوى الاشارة الى ان منظمات سرية او شبه سرية قد تم انشاؤها لاغراض محددة. من بينها أنه بعد أن بدأت أوروبا تستعيد عافيتها بعد الحرب العالمية الثانية تم إنشاء ملتقى Bilderberg ” بيلدربيرغ ” في 1956 يضّم اساساً قادة السياسة والاقتصاد والاعلام على جانبي الاطلسي . وعندما استعادت اليابان عافيتها الاقتصادية تم انشاء ” اللجنة الثلاثية Trilateral Commission في 1973 ليتم التنسيق مع هذه القوة اليابانية الصاعدة واندماج الاقتصاد الاسيوي مع الاقتصاد الاوروبي الامريكي المتعولم. كان اول سكرتير عام لها بريجنكسي وكان اكثر من نصف وزراء الرئيس كارتر بما فيها كارتر نفسه من هذه الجماعة .
اننا نعيش مؤامرات واحدة بعد الاخرى . كلما كدنا ان نكتشف مؤامرة قال المتعاونون مع المتآمرين من النخبة في دولنا المنكوبة بهم : هذه هي نظرية مؤامرة . اثبتوا ما تدعون . كما نبين في تعريف الحكومة الامريكية فإن هذه المؤامرات تحكاك بحيث يتم انكارها حتى وأن كانت واضحة وضوح الشمس بالقرائن . كما جاء تعريف الرئيس ريغان في الامر الاداري 12333 سنة 1984فإن العمل السري ( المؤامرة) covert operation هو ” العمل السري أو الاعمال الخاصة سياسية وعسكرية التي تستطيع ان تنكر الحكومة مسؤوليتها عنها بطريقة قانونية”. وحسب قاموس وزارة الدفاع الامريكية للاصطلاحات العسكرية فإن تعريف العمل السري ( المؤامرة) covert operation بأنه ذلك العمل الذي يتم تخطيطه وتنفيذه بطريقة تخفي معرفة فاعلية أو تسمح لفاعليه بالانكار .
نتيجة الى موقعنا الجغرافي والثقافي والحضاري والديني والجيولوجي ومصادر الطاقة فنحن نتعرض الى مؤامرات منذ قرنيين من الزمان . وتعتمد المؤامرات في تنفيذها على غسيل الدماغ و الفساد من متآمرين محليين ينفذون تلك المؤامرات حتى دون وعيّهم بتفاصيلها. هكذا وصلنا الى ما نحن فيه من سقوط وانحطاط .
لبيان مدى هذا السقوط الذي اوصلنا لما نحن فيه اذكر حادثة بقيت عالقةً في ذاكرتي .
كنت سنة 1970 مديرا للعمليات في شركة نفط خليجية. كان علي اعادة هيكلتها.عندما انهيت عقد أحد الامريكيين واردت ان اكون دبلوماسياً في ابلاغه بالامر ، قال لي: لا عليك ، لقد تعلمت اني استطيع أن اسيطر على العالم العربي من المحيط الى الخليج بمساعدة خمس عاهرات شقراوات!
عندما نرى تفاهة ما يحصل في أمة قاربت ال400 مليون نسمة وعندها مقدرات الطاقة العالمية والتي لو احسن استعمالها ستكون اقوى سلاح دمار شامل يقضي على اقتصاد اي دولة تعادينا. لكننا استعملنا هذه الطاقة لتدمير الذات . انظمتنا اليوم تسمي العدو صديقاً والصديق عدوا!
الحل هو الرجوع الى اصولنا التي اخرجتنا من الجاهلية الاولى بعد نفض مما علق بها من عوالق بواسطة وعاظ سلاطين عصر الانحطاط والرجوع الى اصولها وثوابتها التي تعترف بالاخر {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} وتطالب باستعمال العقل والعلم (أطلبوا العلم ولو في الصين.)
حضارة الامبراطورية الامريكية الانغلوساكسونية كما اعلاه روحها هي الرأسمالية النتنة التي تقاتل كل من يخالفها الرأي حتى انها تعتبر بابا الفاتيكان ماركسياً لانه يطالب بالعدالة التي حثت عليها كل الاديان السماوية.
وسوم: العدد 834