دور الشخصيات والهيئات العربية في تركيا
- بعض الشخصيات والهيئات العربية في تركيا تفهم دورها، إن لم نقل واجبها، بالمقلوب. فبدل أن يكونوا صوت وضمير إخوانهم وبني بلدهم لدى السلطات التركية للتعبير عن مشاكلهم وهواجسهم ومخاوفهم وأسئلتهم لديها، يتحولون بقدرة قادر إلى ناطقين باسم السلطات لدى شعوبهم ومجتمعاتهم.
- وإذا كان هذا الدور الثاني يكون مطلوباً في بعض الاحيان لكنه ليس القاعدة العامة ولا الواجب، فلدى تركيا مؤسسات وهيئات وناطقون يمكنهم إيصال الرسالة التي تريدها للمقيمين العرب على أراضيها بأفضل ما يكون. وإذا لم يكن بد أحياناً فليعملوا في الاتجاهين، لكن الكثير منهم للأسف لا يتكلم إلا باتجاه واحد.
- عدد من المسؤولين الأتراك اعترفوا بحصول أخطاء وانتهاكات بحق السوريين خلال الأيام القليلة الماضية خلال حملة الترحيل، ووعدوا بإيقافها والتدقيق في أوضاع من رحلوا دون وجه حق وإعادتهم، بينما بعض الشخصيات السورية والعربية لا ترى في الموضوع كله إلا "أخطاء السوريين" وكونهم "عبئاً" على الأشقاء الأتراك فضلاً عن مصطلحات وألفاظ أخرى أتورع عن ذكرها هنا.
- يبدو أن هناك تقييماً لدى الحكومة بأن ملف الوجود السوري في تركيا، إسطنبول على وجه التحديد، بات مشكلة ينبغي حلها بسرعة وأنه كان أحد أهم أسباب خسارة انتخابات بلديتها، ولذلك فقد جاءت الإجراءات التركية في المدينة بعد أقل من يوم واحد ربما من لقاء المسؤولين الأتراك مع ممثلي المقيمين السورييين من هيئات سياسية ومجتمعية وإعلامية وغيرها.
- وبغض النظر عن مدى دقة هذا التقييم، فهو خاص بالحزب الحاكم والحكومة في نهاية المطاف، ما يهمنا هنا هو تعاطي السلطات التركية مع ملف المقمين السوريين في إسطنبول تحديداً.
في اجتماع وزير الداخلية ووالي إسطنبول ومدير إدارة الهجرة في المدينة مع الهيئات السورية كانت الرسالة واضحة بضرورة تقنين وضبط الوجود السوري في إسطنبول.
- لا أحد يماري في حق السلطات التركية في تنظيم ملف الوجود السوري على أراضيها، فهذا حقها في مقابل السوريين وهو واجبها تجاه مواطنيها، ولا أحد ينفي حقها في معاقبة المخالفين، لكن الأمر لا يؤخذ بهذا التبسيط المخل كما أن الوقائع أتت على غير هذه الشاكلة.
- لو قامت السلطات التركية بترحيل كل من لا يحق له الإقامة في إسطنبول بهدوء وبالقانون وبعد إخطارهم بذلك ومنحهم فرصة لترتيب أوضاعهم لما كان هناك اعتراضات، لكن التعامل مع الملف شابه عدد من الأخطاء الكبيرة (وفق ما تواتر من شهادات الإخوة السوريين وأقر ببعضه الأشقاء الأتراك)، أهمها:
1- المسارعة والتسرع في الترحيل، دون ترك مجال للناس لتدبير أمورهم وترتيب أوضاعهم. فمن غضت السلطات - مشكورة - النظر عنه لسنوات طويلة لا يمكنه ترك المدينة في التو واللحظة، حيث هناك أعمال وأشغال وعائلات ومدارس وجامعات ومشاريع وعلاقات..الخ.
2- عدد من المرحلين يحملون كيمليك/بطاقة إسطنبول بمعنى أنه يحق لهم الإقامة بها ولا ينبغي ترحيلهم، لكن لم يسمح لهم بإحضارها من البيت وإنما "حمّلوا" سريعاً في حافلات الشرطة لترحيلهم.
3- لم يرحل الجميع إلى المحافظات التي يفترض أن يقيموا فيها، كما هو القرار السياسي التركي، وإنما رحل البعض إلى إدلب في سوريا وهي منطقة يسيطر على غالبية مناطقها النصرة التي هي منظمة إرهابية وفق القانون التركي كذلك، ما يعني - وفق فهمي - أن هناك مخالفة للقانونين التركي والدولي بخصوص التعامل مع اللاجئين/المقيمين فضلاً عن كونها منطقة غير آمنة بالنسبة لهم.
4- هناك روايات منتشرة بين السوريين عن أشخاص تعرضوا للضغط والضرب ليوقعوا على وثيقة تفيد بقبولهم بالترحيل "الطوعي" للداخل السوري، وهو انتهاك خطير لحقوقهم وكراماتهم.
5- يبدو أن التسرع في تنفيذ قرار الترحيل أضر حتى ببعض الأشخاص الفلسطينيين والمغاربة وغيرهم الذين رحلوا أيضاً، حيث اشتـُبه فيما يبدو بكونهم سوريين ولم يكونوا يحملون اوراقاً ثبوتية و/أو لم يسمح لهم بإحضارها.
6- عمليات التدقيق والتفتيش تخللها الدخول لبعض المحلات والمطاعم وما إلى ذلك وتفتيش الداخل إليها والخارج منها، وهو أمر يضر بصورة تركيا وسمعتها والسياحة فيها إضافة لكونه غير لائق في المقام الأول.
- في ضوء ما تقدم وغيره، والرعب - حرفياً - الذي يعانيه السوريون في إسطنبول منذ أيام، ووضوح أن تنفيذ القرار ليس مقتصراً على "المخالفين" وإنما شابَهُ الكثير من الأخطاء والانتهاكات سببها السرعة والتسرع، لا يمكن فهم تركيز عدد من الشخصيات والهيئات على فكرة "أخطاء السوريين" وحق تركيا في تنفيذ القانون. فلا الأخطاء هي سبب ما يحدث ولا السلطات التركية تنتظر إذن أحد حين تريد تطبيق القانون.
- في هكذا أوضاع يصبح من "السماجة" و"البرودة" التركيز على زاوية واحدة والحديث باتجاه واحد: تحميل السوريين مسؤولية ما يحدث. إن واجب المجاميع السورية والعربية اليوم هو التواصل مع الأشقاء الأتراك لإيقاف الحملة فوراً، ووضع حد للانتهاكات الحاصلة، والتحقيق في المظالم المدعّاة، والتفكير ثم التخطيط لحل هذه المعضلة بهدوء وحكمة وعلى المدى المتوسط/البعيد بما يضمن صيانة القانون التركي وحقوق الإخوة السوريين وهذا ممكن جداً وهو أقل المطلوب.
- ليس المطلوب التهجم على تركيا ولا نكران جميلها، وإنما الحديث بوضوح عن الوقائع والانتهاكات بغية وقفها ثم تصحيحها، خصوصاً وأن السلطات التركية لا تنفي ذلك ولا تعاند بخصوصه، على الأقل على صعيد الخطاب. إن هذا لا يعني التنكر لما قدمته أنقرة للسوريين سابقاً واليوم، كما أن ما قدمته لا يمنحُ الحق بالانتهاكات الأخيرة. ثمة فارق واضح بين الوفاء والنفاق وبين تبيان الأخطاء والإسفاف وبين الدعوة للتصويب والاستهبال.
والله أعلم
وسوم: العدد 834